الفرحة مسروقة لكنّ التشبثّ بالأمل واجب خصوصاً خلال فترة الأعياد المجيدة، تعبيرٌ يختصر واقع اللبنانيين الذين يحلّ عيد الميلاد عليهم بعد يومين وهم يبحثون عن السلام الداخليّ والسعادة في ظلّ أجواء ملبّدة بالهموم والأزمات بخاصة من الناحية الاقتصادية. فعلى رغم أنّ العيد لا يمكن اختصاره بالهدايا وجولات التسوّق واللقاءات العائلية إلى مائدة واحدة، إلا أنّ كلّ هذه العناصر تضفي جوّاً من الإلفة والمحبّة على الاحتفالات الدينية. لذا، يشعر معظم اللبنانيين بالحاجة إلى تحقيقها في هذه الفترة الزمنية من كلّ سنّة على رغم الصعوبات الاقتصادية التي تواجههم. والضيقة المالية ليست مرتبطة بموسم الأعياد فقط، إنما منذ شهر آب (أغسطس) الماضي والاتحاد اللبنانيّ لحماية المستهلك يحذّر من أنّ لبنان أصبح في المرتبة الأولى بين 14 دولة عربية لجهة ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية. ومع التنبه إلى تقدّم لبنان إلى هذه المرتبة من الغلاء، لم تتمّ ملاحظة تغيير إيجابيّ واحد، وعلى العكس تماماً فقد شهد لبنان خلال الشهرين الأخيرين زيادة إضافية على الأسعار، بالتزامن مع إطلاق النقاشات حول رفع الحدّ الأدنى للأجور... وأصبحت النتيجة زيادة على الأسعار من دون اتفاق على زيادة الأجور، بخاصة أن أكثرية اللبنانيين اعتبرت أن الزيادة المطروحة «مجحفة»، إذا ما قورنت بالغلاء الحاصل. زينة العيد، على تواضعها في كثير من المنازل اللبنانية أو المحلات التجارية، تبقى مؤشراً واضحاً إلى مدى رغبة هذه الأسر في عيش الأعياد بكلّ فرح. أمّا التجّار فيصنّفون حركة التسوّق بالمتوسطة ويستذكرون الأيام الغابرة حين كانت العائلات تحمل أطفالها إلى الأسواق لتُشعرهم بجمال العطاء وتقديم الهدايا. ويؤكد جمال نوّار، وهو مدير لسلسة متاجر مختصّة بالألبسة، أنّ الحركة موازية تماماً للقدرة الشرائية لدى اللبنانيين وبالتالي فالأسر باتت تُحدّد لائحة مشترياتها في شكل دقيق جداً قبل أن تنزل إلى الأسواق. ويضيف نوّار أنّ التراجع بات ملحوظاً جداً في حركة التسوّق خلال السنوات الأخيرة وبخاصة منذ عام 2005، وعلى رغم أنّ بعض الأعوام حملت بعض التحسنّات إلا أنّ الحال العامة تظهر أنّ العائلات اللبنانية تعيش التقشف خلال فترة الأعياد وفي الأيام الأخرى. وحول ارتفاع الأسعار في الأسواق يوضح مدير متجر لبيع المواد الغذائية، أنّ أسباباً خارجية تؤدي إلى هذه الزيادة، إضافة إلى ارتفاع الإيجارات والحاجة إلى تأمين مصادر الأموال لدفع الفروقات التي تنتج عن عملية تصحيح الأجور. إلا أنّ كلّ هذه المؤشرات لا تكتسب بعداً اقتصادياً فقط إنما تحمل دلالات إنسانية ترتبط بكلّ أسرة لا تتوافر لديها المقدرة المالية لعيش فرحة الأعياد. معايدة نسبية فخلال إضاءة شجرة العيد في أسواق بيروت والاحتفالات التي عمّت هذه المنطقة، وسط حضور مئات الأطفال الذين قدموا مع عائلاتهم، كانت لافتة مشاهدة العائلات للعروض المُقدّمة في ساحات الأسواق من دون أن تشهد المتاجر الموجودة زحمة تسوّق ملحوظة باستثناء بعض المحال التي تُقدّم سلعاً يمكن أن تناسب قدرة الأسر المتوسطة الحال. أمّا الأمل الوحيد الذي يبقى لأرباب الأسر، ممن يحبّون التعبير لعائلاتهم عن محبّتهم لهم بهدايا صغيرة ذات قيمة معنوية أكثر منها مادية، فهي «العيدية» المالية التي تقدّمها المؤسسات لموظّفيها قبل 24 كانون الأول (ديسمبر) والتي تراوح بين 100 ألف ليرة لبنانية (حوالى 67 دولارا أميركيّاً) و300 ألف ليرة (200 دولار). وعلى رغم أنّ هذه «العيدية» لا يمكن أن تنجز الكثير، إلا أنّها تُعطي الإمكانية لإدخال أجواء العيد إلى المنازل التي تُجبرها الأزمة الأقتصادية على التخلّي عن الكثير من العادات التي طالما كانت متوارثة ومنها دعوة الأهل والأصدقاء إلى العشاء والغداء خلال فترة الأعياد. علماً أن هذه المساعدة المالية لا تطاول جميع الموظفين، إذ تشير الوقائع إلى أنّ نصف القوى العاملة في لبنان محرومة من العمل أو تعمل في السوق الموازية، وفق نتائج الدراسة التي أعدّها البنك الدولي بالتعاون مع وزارة العمل اللبنانية.