عاش المصريون ليلة استثنائية بعد إغلاق صناديق الاقتراع في جولة الحسم في الانتخابات الرئاسية مساء أول من أمس، إذ تابع ملايين نتائج الفرز التي أظهرت تقدم مرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي على منافسه المحسوب على المجلس العسكري الحاكم الفريق أحمد شفيق. ليلة بدأت بتحليل نتائج «اللجان العشرية» التي انتهى فرزها سريعاً، لكنها لم تمنحهم مؤشراً واضحاً لاتجاهات التصويت إلى أن مر الوقت وبدأت الأرقام تتضخم والحديث ينتقل إلى الآلاف ليدلو كل صاحب رأي بدلوه: لماذا يفوز شفيق في هذه الدائرة؟ وكيف يخسر مرسي تلك على رغم النفوذ الإسلامي المعروف؟ في أي اتجاه ذهبت أصوات الأقباط المتكتلين في هذه المحافظة؟ كلها تساؤلات وتخمينات لا تسمن ولا تغني من جوع، فالنهاية اقتربت وعرش مصر بات في الصندوق للمرة الأولى في التاريخ. ووسط هذا السيل من الآراء والتحليلات انشغلت الغالبية بما هو أهم: قنبلة الإعلان الدستوري المكمل الذي يكرس سيطرة الجيش على الحياة السياسية ويجعل من الرئيس الجديد تابعاً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة شاء أم أبى، على الأقل لحين إقرار دستور دائم للبلاد ضمن الجيش حق «الفيتو» على بنوده وفقاً للإعلان الذي أراد العسكر تمريره وسط زخم انشغال الكل بنتائج الجولة الحاسمة من الانتخابات. وما أن بدأ العد يأخذ منحى مليونياً حتى زاد التشويق، فالفوارق ليست كبيرة بين الدكتور والفريق والكل يحبس أنفاسه لعل محافظة أو تكتل يقفز بأحدهما قفزة يصعب تعويضها، لكن هذا لم يحدث، ليُكتب على المصريين أن يظلوا معُلقين أمام شاشات التلفاز والكومبيوتر حتى صباح أمس. ووسط هذا الترقب، أطلت حملة مرسي بمؤتمر صحافي تحدث فيه المرشح لينهي ليلة الكثيرين بأن أُعلن خلاله أن المؤشرات الأولية لفرز أكثر من 97 في المئة من الصناديق حسمت النتيجة لمصلحته. وبدأ المؤتمر الصحافي بكلمة مقتضبة للناطق باسم حملة مرشح «الإخوان» أحمد عبدالعاطي أعلن فيها أن مؤشرات فرز أكثر من 97 في المئة من الصناديق وفقاً لمحاضر الفرز التي حصل عليها مندوبو الحملة تشير إلى تقدم مرسي ب12 مليوناً وأكثر من 700 ألف صوت مقابل 11 مليوناً و800 ألف صوت لمنافسه، لترتفع تكبيرات الحضور وصياحهم «الله أكبر ولله الحمد»، وهو الهتاف «الإخواني» الأثير الذي بدا أنه أزعج الناطق باسم الحملة، فأشار بيديه لإثنائهم عن الاستمرار فيه، كما علت نبرته في الحديث في محاولة للتغطية على هتافاتهم ربما رغبة منه في عدم تكريس مرسي مرشحاً إسلامياً. وسكت المتحدث عن محاولاته حين تخلت الهتافات عن طابعها الإسلامي وأخذت منحى ثورياً، إذ ظل الحضور يهتفون «ثوار أحرار هنكمل المشوار» و «يسقط يسقط حكم العسكر» و«عاش الشعب المصري عاش، دم الشهدا ما راحش بلاش». ورد عبدالعاطي على هذه الهتافات بأن أكد أن «كل المصريين سينزلون للهتاف في ميادين الحرية بعد الكبت الذي عاشوه أمام مؤشرات إعادة إنتاج نظام مبارك». وقال: «أمامنا طريق طويل مع من يريد أن يجهض الثورة، أعلنا كما أعلن رئيس البرلمان (المنحل سعد الكتاتني) أنه لا يحق لسلطة تنفيذية أن تحل مجلس الشعب أو الاقتراب من الجمعية التأسيسية للدستور أو إصدار إعلان دستوري مكمل، ومصر ستشهد حراكاً شعبياً لتقول كلمتها إزاء ما أعلن»، في إشارة إلى الإعلان الدستوري الذي صدر في الجريدة الرسمية. وما أن اقترب من إنهاء كلمته، إلا وأشار له زميله باعتزام مرسي الحديث إلى الصحافيين، بأن قال: «يبدو أن هناك مفاجأة»، لتعلو التكبيرات وتطغى على ما عداها من هتافات. ويتجمع عشرات الصحافيين والإعلاميين أمام مدخل القاعة بانتظار إطلالة «الرئيس المنتخب». واستنزف مشرفو الحملة جهداً كبيراً لتنظيم جلوس الصحافيين، وأمام فشل هذه المحاولات شكل حرس مرسي درعاً بشرياً فصل القاعة عن مدخلها لتأمين دخوله الذي تم وسط هتافات بالنشيد الوطني وتكبيرات وشعارات تمجد الشهداء ودمائهم. وظهر مرسي وإلى جواره رئيس البرلمان المنحل ونائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية للجماعة، عصام العريان والقيادي في الحزب سعد الحسيني. واستهل حديثه بآيات قرآنية، ثم تحدث بنبرة غلبت عليها اللهجة التصالحية. وأطلق رسائل عدة في الداخل والخارج، وسط تكبيرات الحضور. لتخرج حملة شفيق بتصريحات مكثفة تنتقد «استباق إعلان النتائج رسمياً» وتشكك في الأرقام التي أعلنها المنافس، لينام المصريون حائرين بين أرقام المرشحين.