مئتا عام على صدور «مانسفيلد بارك»، أقل روايات جين أوستن شعبية وأكثرها قتاماً. الأرجح أن الكاتبة الإنكليزية استوحت رئيس القضاة يومها لتكتب رواية تعارض «كبرياء وتحامل» وتجعل الشابّة الجذابة الذكية بطلة مضادة خلافاً لإليزابث بينيت. أيّد اللورد مانسفيلد إلغاء العبودية، أقلّه في بلاده، وتبنّى دايدو بل، الخلاسية الجميلة التي كانت ابنة قريب له. أحبّها وعلّمها وأورثها، وأكّد حريتها في وصيته، ويتناولها اليوم فيلم للمخرجة أما أسانتي يستند الى سيرة لبولا برن. لم يقم مانسفيلد بارك على المال القديم، بل بناه السير توماس برترام من استغلال العبيد في أنتيغا. اختارت أوستن اسم نوريس لمدبرة المنزل إشارة ربما الى روبرت نوريس، تاجر العبيد البارز في القرن التاسع عشر. حين يزور هنري وماري كروفرد القصر تسطع المقارنة بين الريف البريء والمدينة الفاسدة. كان هنري وشقيقته لندنيين أنيقين، ظريفين، جذابين وبلا أخلاق. يسحران ابن السير برترام وابنتيه، ويعجزان عن التأثير في فاني برايس، ابنة شقيقته التي انتشلها في العاشرة من فقر أسرتها المحبّة في بورتسميث ليضعها في قصر يتعالى الجميع فيه عليها باستثناء الابن إدمند. عاشت في الغرفة العليا المظلمة، الباردة، عليلة، عصبية، خرقاء، بلا جمال أو ظرف. لكنها كانت ضمير «مانسفيلد بارك» وعينيه. رأت وحفظت، وشاهدت إدمند الموعود للكنيسة يخضع لماري كروفرد، وشقيقتيه تتنافسان على شقيقها. كانت ماريا الأكبر سناً خطيبة شاب ضعيف، غبي، وحين تسلّقت سور القصر لترافق هنري الى «سوذرتن كورت» نعرف مصيرها حين تحذرّها فاني من احتمال تمزق ثوبها على القضبان. تغار فاني من ماري التي تستدرج ضحاياها باللعب على القيثارة كالحوريات، وتتفوّه بأقذر نكتة في أدب أوستن حين تشير الى «المؤخرّات والرذائل» في حديثها عن لواط البحارة. ينقل هنري اهتمامه اليها ليترك «ثقباً صغيرا» في قلبها لكنه يقع في فخّه ويطلبها زوجة. ترفض فيعاقبها خالها بإعادتها الى فقر بورتسميث. تعرف الفاقة بعد عزّ، وترعبها الوساخة والفوضى ونظرات والدها غير اللائقة ونكاته الغليظة. لكن أشقاءها وشقيقاتها ينجحون في حياتهم فيغيّر الخال رأيه. رفض مساواة فاني بابنتيه في أول الرواية، واعترف في نهايتها بفوائد النظام والصعاب الباكرة والوعي بضرورة الكفاح والصمود.