لمسات قد تتحول الى تجاذبات، وكلمات الى بذاءات. انتهاكات بصرية ولفظية فردية وجماعية، قد تتحول الى جرائم يعاقب عليها القانون، إذا وُثقت وعرضت. هي مجموعة قصص تجسدها وتوثقها وتنسقها وتحركها وتسردها فرقة «حكي بصّي». من مسرح الجامعة الاميركية في القاهرة الى مقهى خاص، الى كاراج سيارات، ومركز ثقافي، وساحة انتظار بدار الأوبرا المصرية، ومن مسرح روابط والنادي السويسري ومكتبة الإسكندرية حتى مترو الأنفاق، يدور فريق «بصي» بعروض لقصص من واقع تعيشه الفتاة العربية وتعاني فيه العنف والقهر والتهميش. واقع تعاني فيه سجنها في إطار جسدها وأنوثتها، اللذين يشكلان شواهد ضعفها وقلة حيلتها واحتياجها الدائم لمساعدة الآخر، واقع سعى فيه هذا الآخر الى فرض أنساقه الثقافية المتعلقة بالعادات والتقاليد والحلال والحرام على المرأة وأجبرها على تقبله واعتناقه. ترى منى الشيمي مخرجة العرض أن «الشارع دائماً فى صف المتحرش» وأن مونولوجات «بُصي» تروي واقعاً نعيشه يربط بين فئات متنوعة داخل المجتمع لتوصيل هذه الروايات للجمهور، «حتى نتمكن من تحقيق الهدف الأكبر وهو كشف الحقائق التى يمتنع المجتمع عن تناولها». جسدت العديد من اللوحات، هروب ومقاومة واستسلام وثورة وألم وانزعاج المرأة من واقع يكبل حركتها ويصادر حريتها ويقهر كبريائها. وتوضح سندس شبايك رواية العرض، أن «بصي ليس عرضاً مسرحياً بالشكل التقليدي، فما نقدمه متجرد تماماً من هرقطة الفلاسفة والمتحزلقين، وما هو إلا عرض لأحداث واقعية تحدث يومياً لأي فتاة من قصص تحرش فى الشارع، ومشاكل الزواج والعنوسة». «في الأتوبيس»، حكاية محمد سلامة عن شاب غير قادر على الزواج يجد لنفسه ذرائع ومبررات للتحرش ويدافع عن نفسه، «فالبنات كلهن غير محترمات، يتظاهرن بأنهن مؤدبات وشريفات لغاية ما ييجي مغفل يشيل». «كانت» روتها زينب مجدي، وتناولت فيها التحرش بالصغيرات والمراهقات بين 9 و15 سنة، والضغوط والألم النفسي الذي تتعرض اليه الفتيات في هذه الفئة العمرية. ومن «بنات للإيجار» الى «متحكيش»، الذي يتناول حكي سيدات ناجيات من العنف، والنتائج التى ترتبت عن هذه التجربة بالنسبة اليهن، وتتنوع العروض الى «من أنا» الذي تحمل فيه منى الشيمي لافتة عليها علامة استفهام تبحث فيها عن المسمى الذي سيطلقه المجتمع عليها، بعدما اطلق على زميلاتها «محجبة نص نص»، و»صايعة»، وأخرى «عايزة تتجوز». وتلاقي العروض، كثيراً من المعوقات، فما بين مطالبات بالمنع لجرأة التناول، الى خطوط حمر وضعتها بعض المراكز الثقافية، الى اتهامات أخرى بازدراء الأديان، وسباب واتهامات بقلة الأدب عندما قدم الفريق عروضه بمترو الأنفاق لمجرد توسيع وتنويع دائرة الجمهور، إلى حذف مونولوجات واسكتشات كاملة من العرض لأسباب أخلاقية مرتبطة بتحفظات من الصحافيين قبل الجمهور على العرض الأساسي، ما دفع الفريق الى آداء العرض كاملاً مع التزام الصمت فى الجمل والقصص التى اعترضت عليها الرقابة. وتجمع القصص كل سنة من بداية كانون الثاني (يناير) حتى منتصف آذار (مارس)، والقائمين على العرض ليسوا من دارسي أو محترفى المسرح أو التمثيل، لكنهم مجموعة شباب متحمسين لفكرة العرض، ويؤمنون بأهميته وتأثيره. وانطلقت العروض فى 2006 كمشروع تطوعي مستقل، غير تابع لأي جهة على إحدى مسارح الجامعة الأميركية فى القاهرة، لعرض وتوثيق تجارب وقصص النساء ومشاكلهن، وخلق مساحة للتعبير عن قضايا المرأة، لا سيما تلك المسكوت عنها من الجميع. قدم الفريق عروضه في لبنان وفرنسا بالاشتراك مع الاممالمتحدة وفي العديد من اماكن العرض غير التقليدية بمصر. وتقدم القصص كل من منى الشيمي، وسندس شبايك.