كنت أعتبر من لا ينجح في إيجاد قبول دراسي، أو وظيفة دائمة أو موقتة، شاباً يعيش «اللاشيء»، ووجدت حينها صدى جيداً، وملاحظة مهمة من أحد طلبة العلم، يذكرني فيها بأن الإنسان خُلق لعبادة الله كما جاء في القرآن الكريم، ولا يمكن اعتبار عدم عمله شيئاً في الدنيا أنه «ولا شيء». الصديق الذي أكرمني بالموعظة العام الماضي ولم أتطرق لها حينها، ربما عُرف لاحقاً أنني أقصد ما يتعلق بالمعيشة والحياة، والدور الشخصي في مسيرة المجتمع، أما العبادة فنشترك فيها جميعاً، والحديث عن وضع اجتماعي اقتصادي، وليس عن فكرة دينية تعم البشر. بدأت قصتي السنوية مع «اللاشيئيين» عندما أرسل لي عاطل ظريف رسالة طويلة قبل سنوات، يقول فيها أشياء كثيرة، كان لافتاً منها قوله: «صرت مثل الدجاجة أمشي وآكل، وأمشي وأُكاكي، وبس أدور في الشوارع إلين أدوخ»، ولم ولن أتصرف في عباراته. واليوم تتحرك قناعتي قليلاً نحو التغير، لأن المعطيات تغيرت، فهناك مئات الآلاف من «اللاشيئيين» يمكنهم الانضمام إلى حافز، وهو برنامج يشغلهم في متابعته، ويشغل أهاليهم عن بث إحساس الشفقة عليهم، ثم هو يشغل المنادين بتوطين فرص العمل، لأن اسمه الجميل هو مساعدة الباحثين عن عمل، فهم على الأقل أوفر حظاً بمسمى باحثين، وأعرف كثيرين دفعوا مئات الآلاف من الريالات؛ ليحصلوا على ألقاب لا تُمنح إلا لمن بحث وتعلم وأضاف فلسفة لتخصص.. ما علينا. أيضاً أصبح هناك إقبال وتميز شبابي على وسائل الإعلام الاجتماعي، فيمكن لأي من «اللاشيئيين» الذكور خصوصاً إخراج برنامج على ال«يوتيوب» يرتكز على «حش» الأداء الحكومي الخدماتي، وبعض مظاهر التخلف في المجتمع، وسيكون شعور المتلقين بالمرارة هو وقود نجاحه. أقول الذكور لأن الحضور البرامجي على حد علمي لا يزال حكراً عليهم، فيصبح لدينا إضافة إلى ذكورة المجتمع، ذكورة الإنتاج البرامجي ال«يوتيوبي»، وذكورة الوظائف الحكومية غير التعليمية، وذكورة قيادة المركبات البرية والجوية، وبالتأكيد البحرية. شيئاً «فشيئاً»، ربّما ينسى هؤلاء «الغلابا» كونهم لم يستمروا في إحدى مسيرتيّ العمل أو التعلم، والخشية أن ينضم إليهم بعض المبتعثين من حملة الشهادات العليا، فيصبح لدينا «لا شيئيون» في مقتبل العمر، وآخرون في ربيعه، وربما قليلون في خريفه. [email protected] @mohamdalyami