مراهق على أبواب الرجولة، خفيف الظل، أرسل رسالة مطولة مليئة بالتهكم والمزاح، وموحية بتعاظم مشكلة فئة من ابنائنا وبناتنا، يقول فيها «صرت مثل الدجاجة امشي وأكل، وأمشي وأكاكي، وبس أدور في الشوارع الين أدوخ»، ولم أتصرف في عباراته. كتبت قبل نحو عامين عن «اللا شيء» الذي يعيشه من انهوا مرحلة دراسية معينة، أو تعثروا فيها، ولم يجدوا فرصة عمل او دراسة، وبعد رسالة الابن أعلاه، ابن أهله، وابن الوطن، وابن هذه الثقافة يبدو لي أننا يجب أن نسميهم «اللا شيئيين». ولكي نتفق على المصطلح، كوننا لم نستطع الاتفاق على كيفية معالجة أوضاعهم جذرياً لا على مستوى العائلة او المجتمع او الجهات الحكومية المعنية، يجب ان نقاربه او نضاده مع مصطلح معروف، من ذلك النوع الذي يحبه الأكاديميون، ويشتريه رجال الأعمال، ويستخدمه المسؤولون الحكوميون فقط في الصالونات الأدبية، والمجالس الشخصية. وبالمناسبة أليس ملحوظاً ان كثيراً من «شيون النفوس» على الناس والعامة والاعلام، يصبحون كالنسمة الصباحية العليلة وهم في الصالونات والمجالس الثقافية والندوات «غير الرسمية».. ما علينا. يمكننا اعتبار «اللاشيئيين» هم المنهضون لمفاهيم ومبادئ التشيؤ، ولمن لا يعرف هذا الأخير مثلي اقول له مستعيناً ب «ماوس» التشيؤ (reification) هو احد المفاهيم الفكرية والفلسفية الحديثة، اذ يصبح الإنسان كينونة شيئية متجرداً عن كينونته الروحية عبر إسقاط مفاهيم السوق والنزعة الاستهلاكية على المفاهيم الإنسانية، وهو مفهوم وضعه (كارل ماركس) في كتاب (رأس المال) على شكل مصطلح، ويعني «صنمية السلع» أو خضوع الإنسان الى سلطة الشيء والشيئية التي تحكم قبضتها على حركة الحياة وعياً وبنية ونسقاً وسلوكاً. في ظل سلطة التشيؤ يخضع الكائن الى غيبوبة استلابية على كل المستويات الفكرية والوجودية والحياتية متماهياً مع وجود الشيء مفرطاً بكينونته، وقام المفكر الهنغاري (جورج لوكاش) بإخراج مفهوم التشيؤ من سياقه الفلسفي الفكري ودلالته الاقتصادية إلى النطاق الاجتماعي (الإنثروبولوجي)، للحكم على طبيعة العلاقات الإنسانية التي تنبثق من النزوع الاستهلاكي للفرد، ويؤسس لنزعاته الاستهلاكية واللامعيارية القيمية. وهكذا يكون مفهوم التشيؤ هو النقيض والضد لمفهوم الأنسنة الذي يعني النزوع الى الإنساني وعياً وبنية ونسقاً وسلوك، اذا كيف يصبح اصحابنا اعلاه ضد الأنسنة، الانسنة المحلية تحديداً، انهم مختلفون كثيراً، فالانسان لدينا، يدرس، يتوظف، يتزوج، يطلق (30 في المئة منهم)، يتزوج ثانية أو مرة أخرى او مرة «سفرية»، ثم يقضي بقية عمره يلف ويدور يبحث عن واسطة لابنائه، واصحابنا أخذوها من قاصرها وباتوا يقضون معظم حياتهم في «اللف» والدوران، واذا «صدتهم» سأواصل الحديث عنهم، أو «المارية الغفلة». [email protected]