قبل أن يعاود رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران الشوط الثاني من «حوار الصم» بينه وبين فصائل معارضة في مجلس المستشارين، انفجر صراع آخر على خلفية الجدل الدائر حول رفع أسعار البنزين وتبادل الاتهامات حول الضلوع في الفساد. وتحولت قاعة المجلس مساء أول من أمس إلى سجال بين وزراء بخاصة المنتسبين إلى «العدالة والتنمية» الإسلامي ومستشارين في كتل المعارضة بلغ ذروته حين انتفض مستشار في كتلة معارضة موجهاً كلامه إلى وزير التعليم الجامعي لحسن الداودي «تريدون الإيحاء أنكم وحدكم نظيفي اليد»، فرد عليه القيادي البارز في الحزب الإسلامي بأن «أحداً لم يوجه إليكم اتهاماً بأنكم وسخون». وفهم الكلام أنه يشي بانتقال المواجهة بين الحكومة والمعارضة إلى منطقة «فتح الملفات». غير أن بعض كتل المعارضة دعت إلى «إسقاط الزيادة في الأسعار»، على غرار دعوة كان أطلقها شباب «حركة 20 فبراير» الاحتجاجية تحت شعار «الشعب يريد إسقاط الفساد». لكن الوزير المنتدب في الشؤون العامة والحوكمة نجيب بوليف ركز في مداخلته على أن رفع أسعار الوقود يندرج في إطار منظومة إصلاح صندوق المقاصة. وفي الإطار ذاته، سجل اجتماع مجلس المستشارين في موعده الأسبوعي رقماً قياسياً في المداخلات والجدل، فقد انبرى مستشارون في تجمع الأحرار والأصالة والمعاصرة وكتل أخرى إلى إعلان تضامنهم مع وزير المال السابق صلاح الدين مزوار على إثر اتهامه بتلقي أموال «تحت الطاولة» من طرف النائب الإسلامي عبدالعزيز أفتاتي. وعلى رغم استقلالية مجلس المستشارين، فإن الوقائع التي عرفها مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) اعتُبرت لدى الكتل المنسحبة مبرراً لتسجيل موقف، وإن كان بعضها تحدث عن»التعاضد» وليس «التضامن»، في إشارة إلى وضع مسافة حيال التداعيات المحتملة للنقاش العاصف. غير أن صحيفة «أخبار اليوم» المغربية نشرت وثائق تفيد بتلقي وزير المال مزوار والخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة تعويضات «خيالية» خارج راتبيهما الشهري. واستندت في ذلك إلى تبادل توقيع القرار بين وزير المال والخازن العام بعد أقل من 24 ساعة على تعيين الأخير في منصبه، ما قد يفتح جدلاً قانونياً وسياسياً حول إفادة موظفين رفيعي المستوى في قطاع المال والاقتصاد من تعويضات لا يسري مفعولها على بقية الإدارات المغربية. وسجل مراقبون أن كتل المعارضة في مجلس النواب والمستشارين تكاد توجه انتقاداتها بالدرجة الأولى إلى الوزراء المنتسبين إلى «العدالة والتنمية» على رغم أن الحكومة ذات طابع ائتلافي. غير أن الوزير بوليف شدد على أن قرار رفع الأسعار اتخذ من طرف جميع مكونات الحكومة وأن حزبه «لم يستأثر وحده بالقرار» الذي كان محور نقاش بين قطاعات حكومية عدة. ويسود اعتقاد أن الجدل الذي فجره قرار الحكومة في طريقه إلى أن يرتدي أبعاداً سياسية، أقلها العودة إلى ما حفلت به الوعود الانتخابية لجهة رفع مستوى النمو وتحسين أوضاع السكان، فيما ما زالت الحكومة لم تحسم بعد في الإشكالات القانونية التي يطرحها استمرار مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) في أداء مهماته. وخرج حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده مزوار عن صمته حيال اتهامات النائب الإسلامي. واستنكر التجمع في بيان صادر عنه «الأسلوب الهستيري المرضي» الذي سلكه النائب الإسلامي، مشيراً إلى أن المنتسبين لحزب «العدالة والتنمية» يحاولون البروز بمظهر أتقياء في مواجهة لصوص وفاسدين. وربط تجمع الأحرار «تزايد هستيريا التبخيس» بما وصفه بالعجز المطلق ل «العدالة والتنمية» في إدارة شؤون البلاد. وفي سياق متصل، أعرب رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران عن أسفه حيال إقدام بعض مهنيي قطاع النقل على الزيادة في الأسعار نتيجة تداعيات قرار الحكومة الذي قال إنه «كان ضرورياً» على رغم آثاره السلبية.