هل تسير سورية نحو حرب أهلية؟ السؤال مخيف، أو هو يخيفني، وأنا أقول لا. ثم ينتابني شعور بأنني أغلّب عاطفتي، فأضع ما أريد أو لا أريد جانباً وأراجع أقوال الآخرين. لا يكاد يمضي يوم من دون أن نسمع التحذير من حرب أهلية في سورية، كأن ما أصاب الشعب السوري حتى الآن لا يكفي، ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تعتبره فظيعاً إلى درجة ألا يشمله أي عفو. وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حذرت في كوبنهاغن الأسبوع الماضي من أن رفض روسيا اتخاذ إجراء حاسم ضد الرئيس بشار الأسد قد يتسبب في حرب أهلية يقول الديبلوماسيون السوفيات أنهم يريدون تجنبها. والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سبقها بالقول أن مجزرة الأطفال في الحولة قد تُطلق حرباً أهلية، وحث الحكومة السورية على الالتزام بشروط خطة السلام التي ترعاها الأممالمتحدة، وحذر من أن مهمة المراقبين الدوليين ليست مجرد التفرج على ذبح المدنيين. وتبع الجميع كوفي أنان بتحذير من عنده عن احتمال وقوع حرب أهلية في سورية. وأكتب وأمامي مقتطفات من أخبار الصحف الأميركية والبريطانية عن سورية، وهي تحذر بدورها من انهيار الوضع، والعناوين من نوع: سورية تنحدر نحو حرب أهلية، أو لماذا الحرب تزحف على الطريق إلى دمشق. ما سبق يدخل في نطاق تقييم وضع خطر ينذر بانفجار كبير، ثم هناك التحريض. المرشح الجمهوري القادم للرئاسة الأميركية ميت رومني يتهم الرئيس أوباما بانتهاج «سياسة مشلولة» إزاء سورية، وهو يقترح أن «تتعاون الولاياتالمتحدة مع حلفائها لتسليح جماعات المعارضة السورية لتدافع عن نفسها». أزعم أن رومني يقترح خلق الأوضاع لحرب أهلية في سورية، إذا لم تقع هذه الحرب لأسبابها السورية الخالصة. رومني على الأقل لا يقترح غارات جوية على سورية كما يفعل السناتور جون ماكين والسناتور ليندسي غراهام من الحزب الجمهوري، والسناتور جو ليبرمان، وصِفته مستقل إلا أنه يمثل إسرائيل في مجلس الشيوخ الأميركي. إذا كان ما سبق لا يكفي فهناك مجلس التحرير في «واشنطن بوست»، وهو ليكودي مع أن الجريدة نفسها ليبرالية، وقرأت له تعليقاً عنوانه «ماذا يجب أن تفعل الولاياتالمتحدة إزاء سورية». على خلفية تحذير السفيرة الأميركية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس من تزايد احتمال انفجار الوضع في سورية وجرّ دول المنطقة إليه، يقترح مجلس التحرير ما يزعم أنه خطوات لتجنب سيناريو السفيرة ولإسقاط نظام بشار الأسد. باختصار، الافتتاحية تقترح مناطق عازلة على الحدود مع تركيا وداخل سورية لتعمل منها المعارضة السورية ضد النظام، ثم تقدم خياراً ثانياً هو أن تزود الولاياتالمتحدة المعارضة بالسلاح ومعلومات الاستخبارات. هذا يُسقط النظام؟ أراه يزيد احتمالات حرب أهلية. أشعر بأن بعض المسؤولين الأجانب يتكلم بحسن نية، وإن أخطأ فهو يخطئ عن جهل بالتفاصيل وليس قصداً. ثم هناك بعض آخر يحذر من حرب أهلية وهو يسعى إليها، ويقدم اقتراحات تضمن زيادة المواجهات المسلحة في سورية لتصل إلى شفير الحرب الأهلية. في غضون ذلك لا يبدو أن روسيا (الصين معها) ستغير موقفها من معارضة إجراءات فعالة ضد سورية، والى درجة استعمال الفيتو في مجلس الأمن، فسورية آخر معقل نفوذ لروسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي تعتبر أن الغرب خدعها في الحرب على ليبيا ولن تُخدَع مرة ثانية. ولا بد أن موقف الرئيس ألكسندر بوتين أقوى بمعارضة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أي تدخل خارجي لإسقاط النظام في سورية، فقد كان هناك معرض أخيراً لتاريخ المسيحية في سورية في كاتدرائية قرب الكرملين، والكنيسة الروسية أعلنت أنها تخاف على مصير الطائفة في سورية إذا سقط النظام وخَلَفه نظام أصولي إسلامي كما حدث في بلدان عربية أخرى بعد ربيع الثورة. أقول إن السوريين وحدهم قادرون على منع حرب أهلية في بلادهم، وهم يخدمون أنفسهم إذا لم يصدقوا «الأصدقاء» في أميركا وأوروبا، وإذا قلعوا شوكهم بأيديهم لأن الذي غرس الشوك لن يقلعه. [email protected]