في وقت ارتفعت حدة السجال بين القضاء والبرلمان في مصر على خلفية هجوم حاد شنه رئيس نادي القضاة أحمد الزند على البرلمان وتهديده بعدم تطبيق القوانين التي يصدرها وطلب رئيس البرلمان سعد الكتاتني توضيحات رسمية، عُلم أن هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا اعتبرت في تقرير فني رفعته إلى هيئة المحكمة أن قانوني انتخابات البرلمان وتعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يمنع ترشح أحمد شفيق رئيس آخر حكومات الرئيس المخلوع حسني مبارك «غير دستوريين». وفي حال أخذت المحكمة بتقرير هيئة المفوضين، وهو الأرجح، سيترتب على ذلك حل البرلمان الذي تسيطر عليه غالبية إسلامية والسماح لشفيق بخوض جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية ضد مرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي، ما يضع المستقبل السياسي للبلاد أمام مصير مجهول، إذ لا يتوقع أن يقبل الإسلاميون بحل البرلمان، كما لن تقبل القوى الثورية بخوض شفيق جولة الإعادة، وسيزيد نجاح شفيق في الانتخابات إن حدث من تعقيد الموقف. وقالت مصادر قضائية موثوقة ل «الحياة» إن تقرير هيئة المفوضين في المحكمة رأى في ما يخص موضوع العزل السياسي «عدم أحقية لجنة انتخابات الرئاسة في إحالة القانون على المحكمة الدستورية، لكن من باب الاحتياط اعتبرت أن القانون غير دستوري لأنه يتخذ إجراءات عقابية ضد بعض الأشخاص، إلى جانب أنه لا عقوبة من دون نص ولا عقوبة من دون جريمة». وأشار التقرير إلى أن «القانون يعاقب من شغل وظائف محددة هي رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الوزراء وأعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني الديموقراطي المنحل بغض النظر عما إذا كانوا اقترفوا جرماً يستحقون عليه العقاب أم لا». وكانت لجنة انتخابات الرئاسة أحالت القانون على المحكمة للنظر في دستوريته وأعادت شفيق إلى سباق الرئاسة. أما بالنسبة إلى قانون انتخابات البرلمان، فرأت هيئة المفوضين أنه غير دستوري «لأنه أخل بمبدأ المساواة، إذ نص على تخصيص ثلثي مقاعد البرلمان لنظام القوائم الحزبية والثلث للانتخاب الفردي، لكن تم السماح للأحزاب بالترشح على الثلث المخصص للفردي». وأوضحت المصادر أنه في حال أخذت المحكمة بتوصية هيئة المفوضين فإن ذلك يعني حل البرلمان فوراً. في غضون ذلك، رفض رئيس نادي القضاة إجراء أية تعديلات على قانون السلطة القضائية «في ظل وجود البرلمان الحالي» الذي اتهمه ب «التربص بالسلطة القضائية وبالقضاة والتدخل في عملهم بصورة غير مقبولة، على رغم كون القضاء سلطة مكافئة للسلطة التشريعية لا يجوز لأي منهما أن يتدخل في عمل الآخر». واعتبر الزند البرلمان الحالي «شوكة في ظهر مصر». وقال إن القضاة سيتدخلون في السياسة، معتبراً أن «مصر الآن تقع. سيكون للقضاء منذ اليوم شأن في تحديد مستقبل هذا البلد ومصيره... لن نتركها لكم لقمة سائغة تفعلون بها ما تشاؤون... بدأت المواجهة ولن تنتهي إلا بعد أن يرد كيد المعتدي إلى نحره... ويعود الحق إلى نصابه». ودعا الزند خلال مؤتمر صحافي أمس وزير العدل عادل عبدالحميد ورئيس مجلس القضاء الأعلى حسام الغرياني إلى سحب مشروعي قانون السلطة القضائية المقدمين منهما إلى البرلمان، احتجاجاً على رفض نواب تبرئة المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين، وهو ما اعتبره الزند «تدخلاً من السلطة التشريعية في عمل السلطة القضائية بصورة غير مقبولة». وكشف أن مجلس إدارة نادي القضاة «اتخذ قراراً بتجميد عضوية عدد من القضاة في الجمعية العمومية لنادي القضاة، ممن شاركوا في كيل الاتهامات وتجاوزات بحق جموع القضاة، وستتم إحالتهم على التحقيق حتى يوقع عليهم الجزاء اللازم». وأضاف أن مجلس إدارة النادي «سيعقد اجتماعاً مهماً سيبحث فيه التصعيد في تلك المواجهة، وكل الخيارات ستكون مطروحة، ومن بينها البحث في تعليق العمل في المحاكم والنيابات، والبحث في تدويل ما يحاك ضد السلطة القضائية». وأشار إلى أن «بين الخيارات التي سيتم بحثها أيضاً عدم الإشراف على جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة». وأوضح أن «هناك حتى الآن قرابة 4 آلاف عضو نيابة وقاض مصرون على عدم الإشراف على جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، غير أن التوجه الأساسي لقضاة مصر سيظل عدم التخلي عن واجبهم ومسؤولياتهم والاستمرار في الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات مهما أوذوا». ورأى أن «النيابة العامة لم تقصر قط في التحقيقات التي أجرتها في قضية الرئيس السابق ومعاونيه، وتصدت من تلقاء نفسها للتحقيق مع مبارك وبقية المتهمين من منطلق الواجب الوطني والأخلاقي والمسؤولية، وحققت ودققت قدر المستطاع في ظل ظروف عصيبة لا يقوى عليها أحد». وحمل في شدة على من يرددون شعار «الشعب يريد تطهير القضاء»، قائلاً: «الشعب بريء منكم، أنتم لستم الشعب الذي يحترم القضاء والقضاة ويقدرهم». وقال: «لو عرفنا أن الانتخابات ستأتي بهذا البرلمان ما كنا أشرفنا عليها». ورد رئيس البرلمان على تصريحات الزند طالباً من رئيس المجلس الأعلى للقضاء توضيح موقف المجلس من انتقادات الزند للبرلمان، «احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات». واعتبر الكتاتني تهديدات الزند بعدم تطبيق القوانين التي يقرها البرلمان «تجاوزاً في حق البرلمان صاحب السلطة الأصيلة في سن التشريعات». وأشار إلى أن «مجلس الشعب باعتباره السلطة التشريعية يكن كل الاحترام لباقي السلطات الأخرى سواء التنفيذية أو القضائية».