خطاب الرئيس بشار الأسد الذي افتتح به العقد الجديد لمجلس الشعب السوري، شكل عمليا إشارة البداية للموجة الحالية من المجازر واعمال القتل الواسعة النطاق والاعتداءات على المدن والقرى الثائرة. وعندما يقول «نحن نواجه الآن حربا حقيقية من الخارج والتعامل مع حرب يختلف عن التعامل مع خلاف داخلي... وهذه النقطة يجب أن تكون واضحة»، يصبح التفسير الوحيد الذي ستخرج به مجاميع الشبيحة وعناصر الأجهزة الامنية للكلام هذا هو الإمعان في قتل كل معارض ونقل «الحرب» الى مستوى التصفيات الطائفية الجماعية. والأرجح أن الأسد كان يدرك في أي طريق يدفع سورية. ويجب عطف سلوك من نفذ مجزرة القبير على ما قيل في مجلس الشعب. فهذا يحدد السقف السياسي لعمل السلطة وأدواتها الغارقة حتى الرقبة في اشعال الحرب الأهلية. بل أن الخطاب المذكور يمثل «المقدمات النظرية» لمذبحة القبير ولكل ما سيتبعها من عنف ضد المواطنين، بعدما أسقط النظام ما تبقى له من أقنعة وانصرف المسؤول الأول عن لغة المراوغة إلى عبارات واضحة رافضة «للرمادية الوطنية» ومتمسكة «بدور سورية المقاوم»، معتبرا ان المسألة ليست في الاصلاحات والديموقراطية. أي ان الولاء للنظام والقبول بتصوراته لموقعه الاقليمي، تعلو سواها من المطالب التي ترفعها المعارضة. ولا يفعل الاصرار على استحضار «المقاومة» في كل الخطابات سوى المزيد من تجويف المصطلح ووضعه في خانة الصراع بين النظام ومعارضيه، ما سيكون له انعكاساته على السياسات السورية في المرحلة المقبلة. إلى ذلك، يصعب فهم صورة البلاد التي يريد منفذو مجازر الحولة وكرم الزيتون وبابا عمرو والقبير ان يعيشوا فيها. فلا يمكن فصل دوافعهم عن حقد الجماعات اليائسة المدركة قرب نهاية «اليوتوبيا» التي يصور لها الحكم انه اقامها لها، على اشلاء الجماعات الأخرى، وعن الرغبة في تدمير الآخر لاستئناف الحياة الهانئة السابقة، بعدما قضى عليها تمدد الآخر الطائفي او السياسي، من جهة ثانية. التصور المركب لما بعد المجزرة لا يصدر عن عقل ضنين فعلا بالعيش ضمن مجتمع متعدد الانتماءات العرقية والطائفية ولا عن تصور عقلاني لدولة يكون فيها تقاسم الثروة تقاسما عادلا او تداول السلطة سلميا من سماتها المؤسسة. بل يصدر عن ذات العقل الاقصائي الذي تحدث في مجلس الشعب متصورا ان الاصلاحات والأحزاب، كما القرار بالحرب على المجتمع، تصدر من عنده وبعد استكماله حساباته للربح والخسارة. فهو من اتى بالاصلاحات (وليس الفساد) وهو من يستعيد الامن (وليس من فرض القمع) الى آخر سلسلة الكلام مزدوج المعنى. والمرارة التي يشعر بها كثر من السوريين بسبب محاولة النظام اخضاعهم عبر الرعب والدم وصور الرؤوس المنفجرة، ستجد تعبيرا عنها في الرد على عنف السلطة بعنف مقابل وتشريع استدعاء التدخل الخارجي لوقف كابوس المجازر المتنقلة والذل المعمم. وفي هذا بعض ما يريده الحكم الذي أدرك منذ اليوم الأول للأحداث ان قدرته على اعادة ضم المجتمع السوري تحت جناحيه الأسودين قد تبخرت وانه لا يملك من الوسائل إلا تلك الدموية. وبعد شهور طويلة من الجدال حول جدوى و»أخلاقية» تسليح الثورة السورية، وبعدما اضطر الاف من المعارضين لحمل السلاح دفاعا عن انفسهم، يبدو النظام مصرا على تعرية الواقع كاملا من كل الأكاذيب التي نسجها في الاعوام الأربعين الماضية واضفاء التعقيد الشديد على أحوال سورية.