طالب رئيس هيئة حقوقية تتبع الرئاسة الجزائرية بتعويض آلاف المعتقلين السابقين في معسكرات بنيت في الصحراء في خضم الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد مطلع التسعينات، وحشدت السلطات فيها بلا محاكمات آلاف المشتبه بإمكان انخراطهم في جماعات إسلامية مسلحة ثم أفرجت عنهم بعد بضع سنوات. ودعا رئيس «اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان» فاروق قسنطيني أمس إلى تعويض نحو 18 ألفاً من هؤلاء السجناء الذين يعرفون باسم «معتقلي الصحراء». ولفت في تقرير حديث رفعه إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى ضرورة تعويضهم «حتى ولو في شكل رمزي» نظير «الضرر المعنوي والمادي» الذي تعرضوا له. ويبقى أمام الحكومة ملف «معتقلي الصحراء» ومصير جزء من المفقودين في سنوات الأزمة. وتدعو منظمات حقوقية إلى «إنصاف» المعتقلين السابقين، بسبب انعدام قرارات قضائية باحتجازهم ووجود قرارات إدارية تمثلها وزارة الداخلية. ورفض القضاء دعاوى بعض المعتقلين السابقين الذين تقدموا إليه منفردين لمطالبة وزارة الداخلية بالتعويض عن سنوات الاعتقال الإداري بحجة «غياب وثائق تثبت الاعتقال». ويسعى فريق من المعتقلين السابقين إلى طلب التعويض من الحكومة باسم رفاقهم الذين ينتمي معظمهم إلى «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة. ومعروف أن الرئيس السابق محمد بوضياف كان قال في العام 1992 إن «لا ضير من وضع 30 ألف شخص في السجن إذا كانت مصلحة البلاد تقتضي ذلك». وعلى سبيل الاحتراز من رد فعل عنيف من أنصار «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» عقب وقف المسار الانتخابي، فتحت السلطات مراكز أمنية عدة أبرزها في ولايات بشار وتمنراست وأدرار في أقصى الصحراء الجزائرية لاحتجازهم. ويقدر العدد الفعلي من احتجزوا في المعتقلات بنحو 18 ألفاً، بعضهم فرّ والتحق بالجماعات الإسلامية في معاقل السلاح. ويرفع «معتقلو الصحراء» ثلاثة مطالب هي «اعتراف الدولة بحقهم الكامل ماداموا اعتقلوا بغير تهمة ولا محاكمة، والتكفل التام بالمرضى وعائلات المتوفين أثناء وبعد الاعتقال، والتعويض المادي والمعنوي لهم». ويشكون «الإجحاف والتهميش»، قياساً إلى فئات أخرى وضعها «ميثاق السلم والمصالحة» الذي أقره بوتفليقة قبل سبع سنوات وصوت عليه الجزائريون في استفتاء شعبي ضمن فئات «ضحايا المأساة الوطنية». والتعويض وفق المطالب يشمل سنوات الاعتقال الإداري الذي كان من دون تهمة ولا محاكمة. وباشر معتقلون سابقون رفع دعاوى قضائية لدى المحاكم الإدارية للمطالبة بتعويضهم عن فترة الاعتقال التي قضوها منذ بداية التسعينات، بعد تلميح قسنطيني في وقت سابق بأن مساعيهم للإفادة من تعويضات ضمن «ميثاق السلم والمصالحة» وصلت إلى طريق مسدود، وفهم هؤلاء منه أن جهات حكومية تحبذ أن يتوجهوا إلى القضاء الإداري لتسوية مطالبهم خارج تصنيفات الفئات المستفيدة من الميثاق. وتقول السلطات أنها أفرجت عن أكثر من ألفي إسلامي في سياق تطبيق إجراءات «المصالحة»، لكن فئات عدة تترقب مشروعاً جديداً من الرئيس يضفي مرونة على معايير الإفراج بما يشمل من تم إقصاؤهم بسبب تهم أخرى تلاحقهم تتصل بالقانون العام.