ما نراه الآن من ثورة التقنية التي خاضت واقعاً مؤلماً في بعض منازلنا، إذ تغلغلت داخل عقول شبابنا وتفكيرهم المنقاد وراء سهولة استعمالها وروعة ما بها من برامج ذات وجهين، نافعها وضارها، البعض منهم منها استفاد، والشق الآخر وراء مضارها انقاد، شبابنا اختلفوا عما كانوا عليه قبل خمسة أعوام، وعما هم عليه الآن، اختلفوا في جوانب عدة في طريقة تفكيرهم، وهو أهمها. فقد كانوا في سابق الأوان يفكرون ببساطة ما هم عليه من معرفة في الكتب المدرسية، وما يشاهدونه من بث لقنوات التلفاز، أما الآن فقد طغت هذه التقنيات الحديثة على كل ذاك وباتت الشبكات الاجتماعية محطة تواصل دائم بين الجميع، خصوصاً فئة الشباب، فمنها يتواصلون بصحبتهم، ومنها يكتسبون معلوماتهم ويبنون عليها تفكيرهم الذي قد يسير في طريق الصواب فتنجح، أو أن تسير غير ذلك فيقع ما لا يحمد عقباه. في السابق كان عمل وإنتاج الشباب مقصوراً على نطاقات معينة، كان ينتج ويصنع أعمالاً لأجل مدرسه، إن طلب منه ذلك، فينتج ببساطة معرفته في العمل عملاً متواضعاً بأفكاره وإبداعاته، أما الآن فأصبح بإمكانه أن يطلع على أشكال كثيرة من الأعمال لكي ينتج ويبرع في عمله بكل سهولة، أي أنه «يقلد» ولا مانع من التقليد الحسن في ذلك المجال، ولكن مع إطلاعك على أشياء جديدة عليك استخدام وتشغيل عقلك لتنتج من ذاتك. كذلك في مجال البحث عن معلومة كان الشاب قبل ذلك إن طُلب منه أن يبحث عن معلومة ما فإنه يحمل هماً جسيماً لكي يخرج بنتيجة مجدية، فهو يذهب إلى المكتبة وما يلبث أن يجد كتاباً حتى يبدأ معركة في البحث عن المعلومة التي يريدها مدة طويلة، فإن لم يجد في ذلك الكتاب يبحث في ذاك، وهكذا كان يعمل ويبحث ويطلع على الكتب ويجتهد حتى يصل إلى مبتغاه، وفي هذه الطريقة تشغيل للعقل وتنمية للفكر وحب الاستطلاع وكسب معلومات جديدة، ومع ذلك تجد الشاب، إن وجد المعلومة، تجده فرحاً محبوراً لأنه عمل بمجهوده وتعب، فهو على رغم هذا التعب إلا أن ما يجعله مرتاحاً هو انتظاره لثناء معلمه عليه وتميزه عن بقية الطلبة. أما الآن فتجد الشاب إن طلب منه مثل ذلك فإنه تلقائياً ومن دون أي كلل أو تعب أو حمل هم يتوجه إلى السيد «غوغل»، فهو أصبح بمثابة الممول المعلوماتي، اكتب كلمة بحثك يظهر لك ما تحتاجه، ولا تتعب نفسك في الكتب وغيرها، لكن هذا ليس سيئاً، بل إن ذلك يوفر لنا الوقت والجهد، ولكن حالنا في السابق كانت أنفع لنا من حيث قوة التفكير والبحث المجدي، الذي يجعلنا نتطلع من خلاله لمعلومات جديدة، لكن لا جدال في ذلك الأمر، وإنما الأمر المشين الذي يسيء لتفكير شبابنا هو الانغماس في الشبكة العنكبوتية ومقابلة تلك الأجهزة التقنية طوال الوقت، والدخول في مغازي الفساد والمواضيع المزيفة لعقول شبابنا بأفكار هدامة، والصور الخليعة ومقاطع الفيديو «يوتيوب» المشينة، والخوض في كلام لا فائدة مرجوة منه، ذلك هو الضياع والفساد الذي لا نرجوه أن يكون في شبابنا. لنجعل التقنية نعمة وليست نقمة علينا، لنستفيد منها ونتعلم المهارات ونكسب الخبرات، لا أن نفسد ونهلك أرواحنا وعقولنا لننشر بها الخير ونعلي بها راية الإسلام، لنعيد شباب الإسلام يحيا بفكر سليم وروح للعمل، لا أن يركن للكسل والكلام الذي لا فائدة منه. [email protected]