احتفى العالم بيوم الكتاب منتصف الأسبوع الجاري كعادة سنوية في الثالث والعشرين من شهر أبريل، تهدف لبث ثقافة القراءة بين الفئات المجتمعية لما للقراءة من فوائد جمة لا تعد ولا تحصى بل يظهر أثرها على نمو ونهضة الأمم، ونحن أمة أقرأ حري بنا أن نزرع في نفوس أبنائنا بذور الاطلاع المعرفي من المصادر الموثوقة لكي يجنوا ثمار الارتقاء الفكري والوجداني والسلوكي، وثقافة اليوم في هذه التحقيق تستطلع عدداً من الآراء الاختصاصية الحاثة على ضرورة تنشئة أجيالنا على حب القراءة والنهل من علومها الجمة سعياً وراء صقل القدرات وتنمية المعارف المتنوعة. "الشورى يتبنى إنشاء هيئة للكتاب" وقال عضو لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية في مجلس الشورى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور إبراهيم الجوير: تبرز أهمية الكتاب في قول الشاعر أحمد شوقي: أنا من بدل بالكتب الصحابا لم أجد لي وفياً إلا الكتابا صاحب إن عبته أو لم تعب ليس بالواجد للصاحب عابا وأيضا قول شاعر آخر: ألا يا مستعير الكتاب دعني فإن إعارتي للكتب عار ومحبوبي من الدنيا كتاب وهل أبصرت محبوبا يعار ومن ذلك نرى أن الكتاب هو الصديق الوفي وهو مخزن المعلومة وهو الذي تعيش معه ويعيش معك وتتأقلم معه ويتأقلم معك لا يعترف بالعمر ولا بالمكان ولا بالزمان، إنه يعطيك من فرائده من خيراته من فضله وعطائه وتتعطر بأريجه، فلابد أن نربي الأجيال على حب الكتاب، وزاد وعندما أتحدث عن الكتاب فلا أعني الكتاب الورقي فقط بل إلى جانب الكتاب الإلكتروني، فالكتاب عموماً مصدر للثقة والنماء والتربية. وكشف الدكتور الجوير عن تبني مجلس الشورى قرار إنشاء هيئة للكتاب مهمتها العناية بالكتاب إنتاجاً ودعماً وتنظيم معارض ودعاية وتقويم ونشر كما هو معمول به في عدد من دول العالم، وتوقع الدكتور الجوير في إنشاء الهيئة أن يكون لها دور تنموي رائد في مستقبل ثقافة بلادنا الغالية، وعن كيفية خلف بيئة مجتمعية قارئة أشار إلى أن ذلك يأتي من خلال التنشئة الاجتماعية المتأصلة في النفس انطلاقاً من: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه مؤكدً على أهمية إيجاد ثقافة القراءة التي تعد في أصلها ثقافة مهارية ينشأ عليها الإنسان، وقال فنحن نجد شخصاً محباً للقراءة وآخر على العكس وسبب ذلك أن الأول تعود فأصبحت القراءة بالنسبة له مهارة ولياقة في حين الثاني يمل حتى من الإمساك بالكتاب لأنه لم يتدرب على حب القراءة، وطالب رب الأسرة أن ينشأ أفراد أسرته على حب القراءة عبر توفير مكتبة متنوعة تراعي الاهتمامات والميول والرغبات والبدء أولا بتعود القراءة والاطلاع من قبل الوالدين ليشعر الأبناء بأهمية القراءة ثم إقامة المسابقات التنافسية الأسرية في القصة والشعر وبقية العلوم النافعة الأخرى، وأضاف ونحن بحمد الله مجتمع مقبل على القراءة وما يحصل من إقبال كبير في معارض الكتاب لدينا إنما هو مؤشر من المؤشرات المبشرة بالخير على هذا الأمر البالغ الأهمية. د.سالم المفرجي "الجيل القارئ يتمتع بصحة نفسية جيدة" وعن العوائد النفسية للقراءة يوضح الاستشاري النفسي رئيس قسم علم النفس بجامعة أم القرى الدكتور سالم المفرجي بأن القراءة والصحة النفسية هما طرفا قضية أزلية ومازالت متجددة وشابها بعض التغير والجمود في فترات زمنية متعددة مشيراً أنه أصبح هناك نوع من البعد من اقتناء الكتاب الورقي في ظل الانفجار المعرفي والمعلومات والتقدم التقني، وزاد أصبح من السهولة بمكان الحصول على المعلومة بأقل وقت وتكلفة عبر ضغطة زر يستطيع الفرد الحصول على ما يريد من المعلومات بأي حجم وبأي قدر، وقال ليس لدينا عذر من خلال ما تيسر لنا من كتب إلكترونية متنوعة المجالات والثقافات لاسيما أن تلك الكتب تتوافر في عدد من المواقع الإلكترونية بمئات الآلاف من العناوين المتنوعة، وبين أن هناك ارتباطاً بين الكتاب كمصدر للمعلومة وفي كونه أيضا وسيلة من وسائل تنمية الشخصية حين ينتج من خلاله النمو المعرفي وتوسيع مساحات الإدراك وتنمية القدرات لدى الفرد، وأوضح أن ذلك يسهم في تنمية مفهوم إيجابي للذات، وأضاف وكما هو معلوم فإن مفهوم الذات ينقسم لمفهوم مدرك ومفهوم الذات الاجتماعية حيث ان مفهوم الذات المدركة للفرد القارئ تزيد من الثقة كلما حصل على كم كبير من المعارف والمعلومات مما يصاحب ذلك احترام الفرد لذاته، مضيفا بأن الشق الآخر وهي الذات الاجتماعية فإنها تنمو هي الأخرى وتتعايش مع المجتمع بشكل متزن ومستقر، مشيرا بأن عدداً من الدراسات النفسية تحدثت عن الارتباط بين الذات الإيجابية والصحة النفسية لدى الفرد، وقال الدكتور المفرجي فلاشك أننا متى ما أنشأنا جيلاً قارئاً مطلعاً فإننا سوف نبني جيلاً واعياً ومبدعاً ويتمتع بصحة نفسية يعود اثرها الإيجابي المثمر على المجتمع بأسره. د.جمال الملا "لدينا مكتبات فلنزرها هي البستان يا خير الصحاب" واعتبر الشاعر الأستاذ عبدالرحمن بن سعيد الحارثي بأن الاحتفال بالكتاب في يومه العالمي دعوة عالمية للعلم والتعليم والعلماء والكتابة والكتاب، مشيرا بأن للكتاب شرفاً بالغاً وهو بالأمس واليوم لايزال مشعلاً ينير المسير ويقود قافلة المعرفة والثقافة والأخلاق والدين والفكر المنير وينمي الوعي ويذكي العاطفة وهو سجل تاريخي للعلم وفروعه الابتكارية المختلفة، وقال الكاتب الذي يحرص على النمو المعرفي بالقراءة المستمرة يعد مرب للأجيال الذين هم امتداد لنا فهو رائد وقائد العقول لواقع محسوس وملموس، وطالب بالاهتمام بصناعة الكتاب محليا وعربياً لأن ذلك ضروري لتأثيره البارز في إنارة عقول الأبناء والآباء والأدباء والشعراء والعلماء وله أهمية بالغة، وقال الشاعر الحارثي بأن قريحته أبت إلا أن تشارك شعرا في هذا اليوم العالمي الجميل عبر قصيدته التالية: إليكم سادتي أحلى خطابي وهل كالعلم محمود اكتسابي وما للشعر عندي من غياب بيومٍ عالمي للكتاب سلوا التاريخ عن هدي الكتاب وما يحويه من رأي صواب وكم من جيل ساروا في هداه وكم قد ضم من عجبٍ عجاب وما للجيل عن كتبٍ غناء وفيها الجمع دوماً للرغابِ وبدء الوحي للمختار "اقرأ" معانِ الوحيِ غيثٌ في انسكابِ لدينا مكتبات فلنزرها هي البستان يا خير الصحاب وكم في الكتب من فتحٍ لبابِ وكم في الكتب من علمٍ لُبابِ رياض العلم فيها ضوء علمٍ وتذليلٌ عظيمٌ للصعابِ بطون الكتب تحوي كل كنزٍ ومن يقرا رآها في انسكاب لها تأثيرها في كل آنٍ وفي الأجيال كهلٍ أو شبابِ وهذا اليوم يومٌ عالميٌّ لما في الكتب من نهجِ الصواب وفيض العلم والتعلم عذبٌ كماء المزن من غًرِّ السحاب إذا ضاءت شموس العلم فينا فليل الجهل أضحى في انسحاب وتصنيع الكتاب اليوم أمرٌ مهمٌّ كالمطاعم والشراب ونحن العرب وحي الله فخرٌ لنا في أرضنا من كل باب ولازال الكتاب اليوم حيَّاً إلى يوم القيامة والحساب دعوت الله يلهمنا رشاداً لننشر في الورى هدي الكتاب "إقرأ كتاباً جيداً، وستشعر إنك في عالم آخر" القاصة زينب البحراني وقال رائد القراءة السريعة في الوطن العربي الدكتور جمال الملا "إقرأ" هي أول كلمة نزلت من القرآن، "إقرأ" كلمة توجيه لنا لنطور حياتنا، "إقرأ" هي سبيلنا للتقدم، "إقرأ" هي طريقنا للرقي، واضاف إذا كانت القراءة مفيدة وفعلا مهمة لهذه الدرجة إذن لماذا لا نحبها ونمل بسرعة من القراءة ونسرح كثيرا أثناء القراءة ولا نركز فيما نقرأ، وأشار إلى أن البداية كانت مع تعلمنا القراءة وطريقتها المملة وهي قراءة كلمة كلمة كلمة سطر فنتج قراءة بطيئة مملة جدا، وأردف وثانيا إذا تشاجر الأبناء أمام التلفزيون فسيكون عقابنا لهم بأن يذهبوا إلى غرفهم ليقرأوا فجعلنا القراءة عقوبة. لهذا السبب عند الانتهاء من الاختبارات يمزق الأبناء الكتب الدراسية ليتخلصوا من الهم والعقوبة، وبين لكن عندما تعلم أن قراءة كتاب من 200 صفحة قد تستغرق ساعة ولكنها ستضيف شهورا وأعوام إلى عمرك من الحكمة والتجارب والخبرات والمواقف فعندها ستتغير نظرتنا نحو القراءة. وعدد الدكتور الملا مجموعة من فوائد للقراءة في كونها عملية تنشيط ذهنية فتجعلك تستخدم عقلك والخلايا الرمادية من الدماغ في التفكير وبالتالي تصبح أكثر ذكاء، وبها تحسن مفرداتك اللغوية وتثريها وتعلمك كيف تستنتج المعنى من كلمة واحدة عن طريق قراءة سياق الكلمات الأخرى في الجملة، و القراءة تحسن قدرتك على التمعن والتركيز وإن تدربت على القراءة أكثر فستزاد لديك القدرة على الاستيعاب والفهم مع الوقت، والقراءة تحسن الذاكرة والعديد من الدراسات تظهر أن تدريب العقل "مثلا لعبة الكلمات المتقاطعة" فإنك تقي نفسك من مرض الزهايمر، ومن خلالها تحسن الانضباط لديك فعندما تخصص وقتاً للقراءة وتلتزم به فسيتحسن الالتزام بجدول أعمالك ويتحسن الانضباط وأيضا من خلالها تستطيع ان تبدد الملل فإذا كنت تشعر بالملل، إقرأ كتاب جيد، وستشعر إنك في عالم آخر. "شبابنا يفضلون الروايات وكتب تنمية الذات" وحول كيفية جعل جيل الشباب من الجنسين عاشق للقراءة تقول المؤلفة والقاصة الشابة زينب علي البحراني التي نالت جائزة ناجي نعمان الأدبية في لبنان (فرع الإبداع) عام 2008م:القراءة شغف، حكاية حب كبيرة وإدمان فكري تبدأ غالبا منذ مرحلة الطفولة، أو المرحلة الواقعة على خط المنتصف بين الطفولة والشباب، وأردفت إذا امتلك الأهل قدرا من الوعي الكافي الذي يجعلهم يقدمون القصص الملوّنة لأطفالهم كهدايا باستمرار فلن يكبروا إلا وقد ارتبطت أرواحهم ارتباطا وثيقا بالكتاب، وسيختلسون الدقائق من سويعات حياتهم للقراءة بغض النظر عن ارتباطات العمل، أو الزواج، أو أي التزامات أخرى، وأضافت من الصعب اليوم دفع الشباب لعشق القراءة بعد مرحلة الطفولة، لأن معطيات عصرنا العولمي الحديث بجاذبيته التكنولوجية، وإيقاعه شديد السرعة، وتركيزه على لغة الصورة المتحرّكة يُضعف موقف القراءة كهواية تحتاج إلى تركيز وتفكير يتجاوز مجرّد النظر الاستهلاكي، ورأت أن تقدم الحياة اليوم لا يسمح بالبقاء إلا للأقوى تسويقيًا وإعلاميًا، ومادام "الكتاب" و"فعل القراءة" لا يسوّقان إعلاميًا بطريقة قادرة على جذب عامّة الناس، فإن مأزق القراءة يتفاقم يومًا بعد آخر، مشيرة بأنها من خلال متابعتها واهتماماتها الثقافية وجدت أن المجالات التي تجذب للقراءة أكثر من سواها تتمثل في الرّوايات، وكتب تنمية الذات والتنمية البشريّة.