بمجرد انسياب الموسيقى المنبعثة من جهاز عمره 100 سنة يعمل بالتعبئة، فإن ذلك كفيل بجعل الزائر لمحال «الأنتيكات» القديمة في جدة، مشدوهاً باكتشافه لزمن مضى ولم يعشه، إنما سمع عنه، وكأن «الانتيكات» امتزجت بروح الماضي في خشبها العتيق ذي الجودة العالية، وصناعتها الدقيقة، واليدوية في غالبها، محتفظةً بكبريائها بين الجديد والحديث من الآلات والمقتنيات. وما زال الراديو القديم ذو الصناعة الألمانية منذ 60 عاماً، يتوسط المكان وكأنه في حال تأهب لبث أخبار الساعة حول العالم لحقبة الأربعينات المدوية، فما زال يستقبل البث ويرسله، وما إن تجول بناظريك في محتويات المحل، حتى تكتشف من جديد هيئة التليفون «الهندل» ذي الصناعة الأميركية القديمة، والذي ناهز عمره 100 عام، في دهشة وتعجب تشبه تلك التي عرفها الناس عند بداية النطق بالأحرف الأولى لمكتشفيه هالو هالو، ليدق بعد ذلك جرس الساعة المعلقة في أعلى المحل المسماة «ساعة المفتاح»، والتي تعمل بالتعبئة، ولم تتوقف عقاربها بعد عن حساب الزمن الذي مضى عليه 50 عاماً. وفي تناغم مع تلك الحقبة الزمنية، يستوقفك للتأمل عمل فني مصنوع من «البرونز» وموقع من الفنان الذي أبدعه على شكل أيدٍ عازفة ل «الكمان» على قاعدة خشبية عتيقة احتفظت بقيمتها الفنية اليدوية. ولتصوير المشهد وإبقائه للذكرى تعجز الكاميرات الألمانية القديمة المسماة كاميرات «المنفاخ»، والمعروضة على الرف البعيد في زاوية المحل من توثيقه، في ذكرى لكاميرا كانت توثق الذكريات ذات زمنٍ سالف. ولن يتسنى لك الخروج من هذا الزمان ومن اندهاشك وإعجابك به حتى لو خرجت من باب المحل، فسيارة الفورد «تيندر بيرد موديل 1960» في انتظارك ممثلة ل «كلاسيك كار»، وهي في حالة جيدة وجاهزة للانطلاق في طرق المدينة الحديثة بأمس العراقة والفخامة في صناعة السيارات الأميركية، حاملة لوحة لسعر بيعها ب 80000 ريال، فكلما تقادم عهدها زاد سعرها عند عشاق «الانتيكات». تلك محال يديرها هواة التراث وجمع «الأنتيكات»، وأحدهم هو أحمد جلال صاحب محل «الأنتيك» القابع تحت متحف مدينة الطيبات في شمال مدينة جدة، إذ عشق جمع التراث و«الأنتيك» منذ صغر سنه، وتفرغ لذلك بعد تقاعده، ولا يرى في الدخل المادي محفزاً في بقائه في المحل، فالزبائن كما يقول قليلون، والسياح العارفون بقيمة هذه «الانتيكات» معدودون في زيارتهم للمحال. ويشاركه الرأي صاحب محل «الانتيك» محمد إسماعيل، الذي يرى في أن الخلط في التعريف بين التراث و«الأنتيك»، مسألة تحتاج إلى شرح وتوضيح، ففي رأيه المبني على دراسته وخبرته (كما يقول)، «إن التراث هو ما يخصنا نحن ويخص بيئتنا من القديم من المقتنيات وغيرها، أما «الانتيك» فلا يسمى تراثاً، لأنه لا يخصنا في غالبه، فالساعات الألمانية القديمة و «القراف فون الأميركي»، والأثاث الإيطالي القديم، وغيره من الكاميرات والراديوهات، هي صناعة غيرنا وليست تراثنا». ويرى إسماعيل أن مسألة بيعها أمر لا يجب أن يوضع عليه حظر، ويسوق مثلاً إن أوروبا تضع قوانين رادعة لعملية بيع التراث، ولكنها عرفت التراث سلفاً وحددته، مصنفاً المجال الذي يعمل فيه إلى أربعة أجزاء، وهي العملات والطوابع والمخطوطات و«الانتيك» و«الانتيكوتكس». وفي شرح لمعاناته مع هيئة التراث والسياحة، يناشد إسماعيل القائمين عليها، بإيجاد متخصصين يستطيعون التمييز بين الأصناف في هذا المجال، وأن لا يقف الأمر على مجرد المعلومات السطحية والأولية لهذا المجال المهم للسياحة وللتعريف بتراث الوطن.