تجاوزت ال60 وهي الآن على مشارف ال70، امرأة طاعنة في السن، الفقر والألم والمعاناة رسمت ملامحها الواضحة على وجهها. بدأت أم محمد حديثها بتذكر الأيام حين كان زوجها على قيد الحياة: «كانت أحوالنا مختلفة، لم نكن في حاجة إلى أحد، وكل ما هو مطلوب لأمور الحياة نجده متوافراً لدينا، وكان يبذل كل ما في وسعه لتوفير ما نريد، ولم تكن الأسعار في تلك الفترة مثلها الآن»، مشيرة إلى أن وفاته قبل 25 عاماً أسهمت في تردي أوضاعها وأطفالها، وزادت معاناتها بوجود أيتام أختها الذين تكفلت بهم. وتقول: «ترملت منذ أكثر من 25عاماً، ولديّ أربع بنات، الكبرى منهن تزوجت أخيراً، وابن معتل يحتاج إلى العلاج بتلاوة القرآن عليه، بعد وفاة أختي وزوجها تركا لي أبناءهما، خمس بنات ورضيعاً لم يتجاوز شهره ال10، اهتممت بهم جميعاً، ولم أكن أفرق بينهم وبين أولادي، بل شعروا - ومازالوا - بأنهم إخوة ومن أسرة واحدة، ملبسهم ومأكلهم ومشربهم واحد، وأصبح الرضيع - أصغر الأيتام - صبياً في ال10 من عمره». وتضيف: «تكالبت مسؤوليات الحياة الجسام علي وأنا امرأة مسنة، فتحملت عبء رعاية 10 أيتام لا دخل ولا مورداً مالياً لهم سوى إعانة الضمان الاجتماعي، مررت بظروف صعبة وقاسية لا يتحملها رجل، وتجاوزتها بفضل اللجوء إلى الله والتسلح بالإيمان، ثم بمساعدة المحسنين من الجيران، فمصدر طعام الأيتام تزودنا الجمعية الخيرية بسلة غذائية كل أربعة أشهر، لكنها لا تكفينا، فنحن 11 فرداً في شقة واحدة، وحاجة كل فرد تفوق طاقتي، فكيف بسلة واحدة، عبارة عن زيت وأرز ومستلزمات أخرى قليلة جداً، لا تكفي»! وتتابع: «في رمضان أضطر إلى أخذ حاجتي وحاجة أيتامي من الطعام من مخيمات «إفطار صائم»، التي تنصب إلى جوار المساجد أيام رمضان، وأحياناً من فائض أكل المطاعم لنسد به جوعنا، إذ لا يكفينا مبلغ إعانة الضمان الاجتماعي وسط الغلاء الفاحش في كل شيء وفي شتى مستلزمات الحياة، حتى الملابس يجود علينا بها المحسنون والمحسنات من ملابسهم المستخدمة فنفرح بها، إذ لا بديل عنها». وتستطرد: «إيجار المنزل 14 ألف ريال، لا أستطيع سدادها، فمن أين لي بهذا المبلغ؟ وكثيراً ما يحل قسط السداد وأعجز عن استيفائه، فتارة من الصدقات وتارة أخرى يتسامح صاحب العقار ولا يطالبنا بالسداد لمعرفته بالحال التي نحن فيها». أم محمد تدعو ليلاً ونهاراً للمرأة المحسنة التي وقفت بجانبها ومدت لها يد العون» ساعدتني محسنة بالانتقال إلى هذه الشقة التي أسكن فيها حالياً، بدلاً من الأخرى التي تنعدم فيها سبل الحياة لقلة الماء وتخلخل جدرانها، فوفرت لنا بعض الأثاث جزاها الله خيراً، إلا أن أخبارها انقطعت، ولم أعد أعرف عنها شيئاً منذ أربعة أعوام، فإن كانت متوفاة فإنني أدعو لها بالرحمة والثواب والمغفرة، وإن كانت على قيد الحياة أدعو لها بالتوفيق والستر والعافية». لافتة إلى أنها كثيراً ما تقع في حرج «أتألم كثيراً حين يطلب مني أبنائي أو أبناء أختي ألعاباً أو أشياء أخرى يرونها مع الأطفال في المدرسة أو الحي، كنت أغالب حزني وأخفي دموعي كي لا يرونها لعجزي عن توفير تلك الطلبات لهم». تمر الأيام والشهور على أم محمد وهي تأمل بأن تجد من يسد حاجتها المتزايدة وعوز أسرتها. ولا تعلم إلى أين سيقودها المصير المجهول وضيق حالها، سوى اللجوء إلى الله، ثم صدقات المحسنين التي تأتيها على فترات متباعدة. وأكثر ما يقلقها ويحرمها النوم هو خوفها على الصغار اليتامى، وخصوصاً الفتيات «لا أشعر بالسعادة إلا عندما أتخيل أنهن في منزل يحيط بهن ويحميهن من التشرد، إلا أنني أرى الواقع مختلفاً عما أحلم به، ثم لا أتوقف عن البكاء من الخوف على مستقبلهن»، داعية الله أن تجد من يمد لهم يد المساعدة ويتكفل بتحسين ظروفهم المعيشية، «ولا أريد من هذه الدنيا سوى أن أرى البسمة على شفاه أيتامي، وتوفير مأكلهم وملبسهم ودخل ثابت لهم». وبصوت يكسوه الحزن تناشد أهل الخير مساعدتها في توفير وسائل العيش لهم، «نحن في حاجة إلى غسالة ملابس وفرن ومكيف، فجميع الأجهزة في الشقة متعطلة وغير صالحة للاستعمال».