تملك من الحياء والعفة ما جعلها صامتة على المرارة لأعوام، وعلى العوز وقلة ذات اليد. تتظاهر بالقوة والشموخ أمام زوج مريض وأبناء صغار، ولا تظهر ضعفها إلا على فراشها وسط الظلام، فتبكي حتى تبلل وسادتها، ثم تنام وهي تعلم أن نهاراً مأساوياً ينتظرها. هي مؤمنة بقضاء الله وقدره، فلم تسمح للفقر أن يضعف عزيمتها أو ينهش كرامتها، أو يغير طبيعة تربّت عليها. لكن هي في النهاية امرأة، نقطة ضعفها صغارها، حاولت كثيراً ستر عوزها، ولكن هيهات، فمجرد التفكير بمستقبل الأبناء ووضعهم يهزّ كيانها. أخيراً استسلمت العفيفة أم مرزوق، ومع ذلك كان الحياء أقوى من أن تسمح بالتقاط «الحياة» صورة لها أو لأحد أطفالها. وتقول أم مرزوق: «أمضيت أعواماً طويلة، وأنا لم أكشف وضعنا حتى للجمعيات الخيرية لتمد يد العون لنا، على رغم حاجتنا الماسة إلى المأكل والملبس والمسكن». وتضيف ودموعها تنهمر من خلف نقابها الذي تستر به وجهها: «نسكن في بيت شعبي مستأجر في المزاحمية بمبلغ ألف ريال شهرياً، رضيت أخيراً أن يكون سداده من طريق صدقات المحسنين، وتضيق بي الدنيا حين أرى أمامي ست بنات وولد بلا عائل، أكبرهن تبلغ من العمر 25 عاماً، والصغرى فلا تتجاوز الخامسة من عمرها». وتتابع المرأة المنهارة: «ما يؤلمني وينغص عيشي أكثر من أي شيء آخر، هو أن جميع أبنائي لم يدخلوا المدرسة، ما عدا واحدة تبلغ من العمر 10 أعوام»، معيدة السبب في ذلك إلى الفاقة وقلة ما في اليد. لافتة إلى أن زوجها عاطل عن العمل، ويعاني مرضاً نفسياً، فيما ليس في مقدورها توفير مستلزمات ومصروفات المدارس. ولا تخفي أن الوضع ازداد سوءاً منذ نحو ثلاثة أعوام: «توقف الضمان الاجتماعي عن صرف الإعانة الشهرية لي ولأفراد أسرتي، الأمر الذي وضعنا تحت خط الفقر والعوز، فقد كنا نعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على الإعانة في مأكلنا وملبسنا وشراء ضروريات الحياة، أما الآن فلا دخل لنا سوى صدقات المحسنين». مآسي أم مرزوق وأسرتها لا تتوقف على المأكل والمشرب والملبس، فانعدام وسائل المواصلات تجعلهم مسجونين داخل مسكنهم المتواضع لأيام وربما لأسابيع، «أحياناً أريد الذهاب إلى الرياض لقضاء بعض الحاجات أو مراجعة مستشفى أو ما شابه، فلا أجد سيارة توصلني، حتى سخر الله لنا بعض فاعلي الخير الذي يساعدوننا في ذلك، ومع ذلك أخجل من الاستعانة بهم في كل مرة، وأضطر إلى إلغاء بعض الضروريات». وتوضح: «لا أخرج من المنزل إلى الرياض إلا نادراً، وأتكبد عناء الطريق والجهد النفسي والجسدي حتى أعود إلى المنزل ومعي ثياب أو مواد غذائية أجلبها لأبنائي من بعض المحسنين». وتستطرد وصوتها يتهدج مرارة وقهراً على حالها وحال أسرتها: «بمجرد وصولي إلى المنزل تلتف بناتي وولدي حولي ينظرون ماذا في جعبتي لهم من مأكولات وحلوى، عندما أرى الفضول الممزوج بالسعادة تختلط مشاعري بين الفرح وبين الأسى في الوقت نفسه، لكن هذه المشاعر تدفعني وبقوة للمضي في هذا الطريق الذي لا مفر منه إلى غيره حتى أسد جوع أبنائي». وتضيف ولسانها يلهج بالدعاء إلى كل من يسهم في مساعدتها، موضحة عجزها وزوجها عن العمل، «الأمراض دهمتنا وكبلتنا عن شق طريقنا في الحياة والسعي في الحصول على لقمة العيش الكريمة»، وتستعطف أهل الخير من ذوي القلوب الرحيمة: «أرجو أن أحصل على بيت صغير يؤويني وبناتي وأفراد أسرتي ويجعلني أطمئن عليهن بعد مماتي حتى أتفرغ لتوفير لقمة العيش».