الحديث عن دراما فلسطينية يعني أشياء كثيرة، لعل بينها إن لم نقل أهمها «المكان» بما يحيط به من غموض بسبب من منعه القسري لستين سنة وتزيد. هي دراما من «هناك»، أي تماماً من المدن والقرى والمخيمات من دون أن يمنع ذلك تجوالها في المنافي وبلدان الشتات. في المشهد الفني الفلسطيني تحضر السينما بجماليات عالية وبأنشطة غزيرة نسبياً تعكس طموح الفنانين لاستخدام لغة الفن السابع في التعبير عن أفكار وطموحات لا تستقيم بوسائط فنية أخرى. والحال أن وجود سينما متقدمة على هذا النحو يحرّض بالضرورة على تحقيق دراما تلفزيونية توازيها وتتكامل معها. نتحدث هنا عن «صناعة درامية»، وليس عن إنتاج درامي وحسب، مع التشديد على أن نشوء صناعة كهذه يحتاج في شروطه الأولى الى نمو الإنتاج الدرامي وبلوغه سن الرُشد إلى الحد الذي يغري المال العام والخاص بدخول مغامرة السوق، والبحث في شوارعها وأزقتها الفرعية عن موقع ومكانة. هو أيضاً بل أساساً حديث عن «الحكاية الفلسطينية»، ولا نعني الحكاية الوطنية وتفاصيلها السياسية التي وقعت في التاريخ ولا تزال تهيمن على الواقع، بل أيضاً حكايات البشر العاديين الذين «صاغتهم» وشكّلتهم تلك التراجيديا الهائلة القسوة، والذين يعيشون اليوم حياة مختلفة حتى عن تلك التي يحمل لها المشاهدون العرب صورة باتت تقليدية منذ زمن بعيد. الحياة تستدعي الدراما، مثلما تجتهد الدراما لمحاولة التعبير عن تلك الحياة. هكذا تمتحن الدراما نفسها في الممارسة الفنية وفي قدرتها على التشكُّل كصناعة مستقلة وذات كيان حي. دراما فلسطينية «خالصة» تعني قراءات جديدة، بصرية وفكرية في التفاصيل اليومية في «المكان»، ذلك الذي ظلّ طويلاً غامضاً وأقرب إلى صورة «الفردوس المفقود» بكل ما تحمله من احتمالات ليست حقيقية بالضرورة. هو مكان يقع في حالة كهذه بين المتخيل لصورته التقليدية، وبين الواقع الرَاهن بكل ما فيه من أحداث وتطورات لها خصوصياتها ومفرداتها الفنية والفكرية القادرة على التميّز وتحقيق الفرادة التي تحتاجها أية دراما. ذلك يحتاج الى مؤسسات إنتاجية جدية وحقيقية، فالفن الدرامي هو أولاً وقبل أي شيء آخر صناعة لها أدواتها، ولها سوقها المفترض الذي يطمح أن يكون سوقاً حقيقياً.