مسافة شاسعة تلك التي تفصل الدراما التلفزيونية في فلسطين عن شقيقتها السينمائية. ويتعلق الأمر هنا بالمستويين الكمي والكيفي على السواء، فشتان بين دراما تلفزيونية تحبو ولا تزال تبحث عن مشروعاتها، وبين تجارب سينمائية مرموقة، ولها أعمالها التي تعكس رؤى فكرية وجمالية متقدمة. الدراما التلفزيونية الفلسطينية تعاني أولاً وأساساً من شحّ الإنتاج وندرته، فلا مكان لدراما متطورة خارج فضاءات إنتاجية غزيرة يمكن لها أن تسمح بالتنوع والتعددية، كما أيضا بإعطاء فرص حقيقية لمواهب الفنانين والفنيين، وتطوير حالة أدبية متفاعلة معها. الفضائيات الفلسطينية – باستثناءات محدودة – ليس من اهتماماتها تحقيق أعمال درامية، وهي بهذه الحالة لا تمتلك علاقات توزيع لأعمالها، بل نقول بثقة إنها لا تفكر أساساً في فتح أسواق لدراما ليست موجودة بالمعنى الحقيقي للكلمة. ومع هذا، فإن ما شاهدناه من أعمال درامية فلسطينية يدفعنا الى التفاؤل، إذا نظرنا الى الأمر من زواياه الفنية. ولكننا نشير هنا إلى كثافة الدراما في الواقع الفلسطيني ذاته، والتي تحتاج إلى قراءات بصرية ناجحة تسهم في الارتقاء بوعي المشاهد وذائقته على السواء.، فليس من المنطقي ولا المقبول أن يعيش شعبٌ تراجيديا إنسانية لعلها الأصعب في التاريخ المعاصر، ولا يسعى بجدّية للتعبير عنها بصرياً، في صور وأشكال راقية تليق بها وتحقق معادلها الفني والفكري على الشاشة الصغيرة. ليس من المبالغة في حالة كهذه أن نرى أن خلق فضائية فلسطينية خاصة بالدراما هو أمر أشد ضرورة من وجود تلك الفضائيات السياسية التي ليس لها من عمل سوى ممارسة الردح السياسي وتبادل الشتائم. هي مسألة لا تتعلق بالإمكانات المالية وحسب، ولكن بأولويات الحاجات حسب ترتيبها في وعي أصحاب القرار والممسكين بالشأنين السياسي والإعلامي في فلسطين، الوعي ذاته الذي يجعل خلافات ثانوية، بل هامشية، تحظى باهتمام واسع، وتتحول الى قضايا رئيسة تستحوذ على ساعات البث الطويلة وتهمّش ما عداها. نقول ذلك ونحن نعي الإمكانات المتاحة وحجمها، ولكننا نعرف في الوقت ذاته حجم الممكن، ونراه كبيراً وقابلاً باستمرار للتطوير والارتقاء، ليواكب حالة سياسية وثقافية نتطلع اليها.