تُحاول مجموعة «إم بي سي» السيطرة على المشهد الإعلامي العربي، من خلال خطة ذكية وهادفة، تكمن في دراسة ما يريده المشاهد، وتلبية احتياجاته الفنية والترفيهية والتثقيفية. ولهذه الغاية عمدت إلى استيراد أكبر عدد ممكن من البرامج الأجنبية وتعريبها مثل «آراب آيدول و «مواهب العرب»، كما أنتجت برامج فنية ضخمة مثل «coke studio»، إضافة إلى برنامج تقدمه المغنية لطيفة وآخر قدّمته سابقاً أروى، من دون أن ننسى طبعاً أبرز المسلسلات والإنتاجات العربية في موسم رمضان، مع عدد من البرامج الاجتماعية. وتبقى النقلة النوعية الأبرز في البرامج المذكورة، ما قُدّم في برنامج «مواهب العرب»، لما حمله من تجديد، وإتقان وحرفية في التعاطي مع العمل، خصوصاً أنه من خلال موسمه الأول استقطب جمهوراً عريضاً ومشاركين طامحين لعرض مواهبهم. وبعد انتهاء المرحلة الأولى من البرنامج، تنطلق مساء اليوم المرحلة نصف النهائية على الهواء مباشرة، بعدما اختارت لجنة التحكيم المؤلفة من الإعلامي علي جابر والفنانة نجوى كرم والممثل ناصر القصبي، 48 مشاركاً من أصل 150 نجحوا في مرورهم الأول. ولكن ثمة ملاحظات حول المرحلة الأولى وطريقة اختيار المشاركين. تزامن الموسم الأول من البرنامج مع انطلاقة الربيع العربي، ما سمح لبعض المشاركين بالتحرر من القيود الاجتماعية والمشاركة فيه، خصوصاً أن بعض المجتمعات يعتبر أن الفن «عيب»، وأن الشاب والفتاة على السواء يجب ألا يرقصا أو يغنيا مثلاً أمام الجمهور. وتعرّف الجمهور خلال الموسم الأول إلى مواهب استثنائية لم يسبق أن رآها سابقاً، بيد أن الرهان على الموسم الثاني كان في اختيارات لجنة التحكيم، وعدم تكرارها لنجاحات الموسم الأول، والبحث عن مواهب جديدة غير معروفة. لم تنجح اللجنة في هذه النقطة تحديداً إلا في بعض الحالات، حين اختارت مثلاً الأردني محمد صياحين القادر على عد حروف أي جملة مهما بلغ طولها وبوقت قياسي، والمصري حسين الرسمي الموهوب بألعاب التوازن، وفرقة «خواطر الظلام» السعودية التي تقدم عروضاً لافتة في الظل، والأردني باسم البندق القادر على قراءة الأفكار. تميزت المواهب المذكورة بقدرتها على الإبهار، ونيل إعجاب اللجنة قبل الجمهور العريض، لندرتها وصعوبة ممارستها، وهنا أضفت اختياراتها جديداً على البرنامج. بقية المواهب جيدة لكنها لا ترتقي إلى مستوى الإبداع والإبهار، خصوصاً أن غالبيتها تعتمد على التمرين المتواصل، والممارسة الدائمة منذ الصغر ربما. كما أن التركيز على بعض المواهب الغنائية غير مبرّر، خصوصاً أن لها، برامج تلفزيونية مختصة في الغناء فقط. لذا، كان واجباً على اللجنة استثناء المواهب الغنائية، لأن المشاركين الناجحين لا يتمتعون بقدرات صوتية كبيرة مثل الأردني مصطفى مهند الذي تعاطفت اللجنة مع حالته الصحية. وعند الحديث عن الغناء نستثني طبعاً الغناء الأوبرالي الذي نجح البرنامج في إيصاله بسهولة إلى المشاهد البسيط، وتعريفه إلى هذا الفن الراقي، إضافة إلى الطفلة الجزائرية داليا شيح التي تتمتع بصوت قوي وحنون في الوقت ذاته. كما أن اللجنة لدى تصفيتها المشاركين استثنت بعض المواهب الجيدة على حساب أخرى بحاجة إلى كثير من الصقل والجهد المتواصل مثل المشترك السوري lord gaga x المغرم بالمغنية الأميركية ليدي غاغا وبطريقة رقصها واستعراضها. وتكمن المشكلة الأكبر في اللجنة، عدم جدية البعض في التعاطي مع بعض الحالات، وإعطاء ال «نعم» من خلال القلب لا العقل، ما تسبب بتأهل مشاركين على حساب آخرين أفضل منهم. ومن أكثر المشاركين الذين عانوا من هذه الحالة، المشترك السوداني الذي عزف على آلة موسيقية من خلال أنفه، وهي موهبة تعتبر فريدة، لكن اللجنة لم تختره للتأهل إلى المرحلة المقبلة. أخطأت اللجنة كثيراً في التعاطي مع المشترك السوداني، خصوصاً أنها من خلاله كانت قادرة على مخاطبة ملايين السودانيين وتشجيعهم على إبراز مواهبهم... وبهذا قد يكون البرنامج خسر جمهوراً إضافياً. كما أن اللجنة لم تراعِ في اختياراتها التوزيع الجغرافي، حتى وإن لم يكن ذلك جزءاً من قواعد البرنامج، فانحصرت الفئة الأكبر من المتأهلين بالمغرب والسعودية ولبنان. من يتابع النسخة الأجنبية، يلاحظ مدى صرامة لجنة التحكيم، ودقة اختيارها للمواهب الكثيرة والمتنوعة والتي تتجاوز الرقص والغناء والتقليد، إلى مواهب لا تزال غريبة وأكثر إبداعاً وجرأة. بات واجباً على القيمين على البرنامج بعد نجاحه اللافت وفرادة فكرته، استهداف مناطق عربية لا تزال بكراً، والعمل على استقطاب مواهبها، فالأكيد أن الصومال وموريتانيا وجيبوتي مثلاً (دول في جامعة الدول العربية، وتتحدث العربية)، فيها عشرات المواهب، لكن الفقر والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة فيها، تمنع شبابها من المشاركة في البرنامج. لذا، بات واجباً عليه أن يجد طريقة للدخول إلى هذه المناطق ومساعدة قاطنيها على إبراز مواهبهم، وبذلك يكون حقّق سبقاً إعلامياً. ومن أهم التغييرات التي طرأت على لجنة التحكيم في الموسم الثاني، حلول الممثل السعودي ناصر القصبي مكان الإعلامي المصري عمرو أديب. استطاع القصبي انتزاع محبة الجمهور، لخفة ظله وسهولة تعاطيه مع المشتركين، وما فعله ليس غريباً عليه، خصوصاً أنه من أهم الكوميديين في العالم العربي ويعرفه الجمهور جيداً من خلال برنامجه الكوميدي «طاش ما طاش» الذي قدّمه ل18 موسماً. بيد أن الممثل السعودي، دخل في «حلف» مع المغنية نجوى كرم ضد علي جابر في كثير من الاختيارات، التي استطاعت أن تقنعه ببعض الحالات وأن تؤثر في قرار في بعض الأوقات. واللافت أن كرم تميّزت في المرحلة الأولى بآرائها الموضوعية ونقدها البناء، والملاحظ أنها عملت على تثقيف نفسها والاطلاع على الفنون العالمية لتكون في أبهى حلة، وهي نقطة إيجابية تسجل لها. أما النقطة السلبية، فتكمن في تعاطفها وحنانها الزائد تجاه بعض المشتركين. ويبقى الإعلامي علي جابر صعب المراس، نظراً إلى اطلاعه (بحكم عمله) على الكثير من المواهب ومتابعته الدائمة للفنون العالمية. ويعتبر رأيه موضوعياً لعدم تأثره باستعطاف المشارك له، وبناء حكمه على أهمية العرض.