لاهاي – أ ب، رويترز، أ ف ب – بعد عقدين على بدء قواته حملة تطهير عرقي في البوسنة، مَثَلَ القائد العسكري السابق لصرب البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش في لاهاي أمس، أمام محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا، والتي تتهمه بارتكاب 11 جريمة، بينها إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. واعتُقل ملاديتش في 26 أيار (مايو) 2011 في صربيا، وهو مُتّهم بجرائم ارتكبتها قواته خلال حرب البوسنة (1992-1995) التي أسفرت عن مقتل مئة ألف شخص ونزوح 2,2 مليون. وملاديتش (70 سنة) مُتّهم خصوصاً بمجزرة سريبرينتشا حيث قتلت قواته حوالى ثمانية آلاف رجل وفتى مسلم، في تموز (يوليو) 1995، في أسوأ مجزرة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. كما يُلاحق لدوره في حصار ساراييفو الذي قُتل خلاله 10 آلاف مدني، واحتجاز 200 جندي ومراقب من الأممالمتحدة رهائن عام 1995. كما أنه مُتهم بالجرائم ذاتها الموجهة إلى الزعيم السياسي لصرب البوسنة رادوفان كارادزيتش (66 سنة) الذي يُحاكم في لاهاي منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2009. واعتبر الادعاء أن الرجلين كانا مسؤولين عن «شبكة إجرامية مشتركة»، هدفها تهجير مسلمي البوسنة وكرواتيا، من الأراضي التي يطالب بها الصرب في البوسنة والهرسك. لكن ملاديتش الذي يواجه عقوبة السجن المؤبد، يدفع ببراءته. وبدا ملاديتش واثقاً وهو يدخل قاعة المحكمة، وكان يصفق وأشار بعلامة النصر. وأثناء الجلسة، نظر ملاديتش إلى امرأة مسلمة بين الحضور، ومرّر يده فوق رقبته، مثل سيف قاطع، ما اضطر رئيس المحكمة القاضي الهولندي الفونس اوري إلى رفع الجلسة لفترة وجيزة، وأمر بوضع حد «للفتات المتبادلة غير اللائقة»، كما طلب من ملاديتش الامتناع عن «التفاعل» مع الحضور ونصحه «التركيز على ما يحصل في قاعة المحكمة». وفي المنطقة المخصصة للجمهور، همست والدة أحد ضحايا سريبرينتشا مراراً بكلمة «سفاح»، حين افتتح الادعاء القضية. وقبل بدء الجلسة، تجمعت أمام المحكمة حوالى 20 والدة وأرملة فقدن أزواجهن أو أولادهن في سريبرينتشا، ووصفن ملاديتش ب «الجزار»، كما رفعوا يافطات كُتب على إحداها: «ملاديتش أبرز مجرم للأبرياء والأطفال». «تطهير عرقي» ولدى افتتاح المرافعة، قال درموت غروم، ممثل مكتب المدعي، إن ملاديتش «تولّى عملية التطهير العرقي في البوسنة». ومستنداً إلى خريطتين ديموغرافيتين للبوسنة، واحدة قبل الحرب والثانية بعدها، وصف غروم كيف أن بلديات كانت مختلطة أو ذات غالبية مسلمة، وأصبحت صربية بعد حملة «التطهير العرقي» التي حدد ملاديتش «أهدافها الاستراتيجية». وقال: «كان الهدف الأول فصل الصرب عن المجموعتين القوميتين الأخريين»، أي المسلمين والكروات. وأضاف: «آلاف من العائلات أُرغمت على مغادرة أراضيها». واعتبر أن «ساراييفو كانت نموذجاً للتنوع، ومدينة جامعة لجنسيات مختلفة»، مضيفاً: «أرادوا القضاء على هذه الميزة وتقسيم المدينة الى قسمين: الصرب من جهة وغير الصرب من جهة أخرى». وستتواصل المحاكمة في 29 الشهر الجاري، مع الاستماع إلى أول شهود الادعاء الذي يرجّح أن تستمر ثلاث سنوات. وأشار محامي ملاديتش، برانكو لوكيتش، إلى أن موكله الذي أُصيب بثلاث جلطات دماغية، أعوام 1996 و2008 و2011، يعاني شللاً نصفياً في الجانب الأيمن من جسمه. وعلّق بكير عزت بيغوفيتش، العضو المسلم في المجلس الرئاسي في البوسنة، على المحكمة، قائلاً: «نتوقّع الحقيقة منها. الحقيقة ثم العدالة للضحايا، ولعائلاتهم. كان ذلك أسوأ مرحلة في تاريخنا». لكن طالباً صربياً أعرب عن «حزنه» لمحاكمة ملاديتش، قائلاً: «إنه بطل، ونحمّل لاهاي والمجتمع الدولي المسؤولية».