لفت نظري، منذ نعومة أظفاري وانطلاقتي الأولى على طريق الحياة، وقبل أن أكوّن فكرة عمّا يدور حولي من أحداث، وما يجول في خاطري وخواطر الآخرين كباراً أو صغاراً من فِكر، أن الناس أو لنقل كل واحد من الناس يشبه شيئاً من الأشياء المحيطة به أو القريبة منه، فكنت أحس أن أحدهم يشبه الطاولة وثانياً يشبه النافذة وثالثاً يشبه المرآة وهكذا. لم أتوقّف عند هذا الحد، بل رحت بيني وبين نفسي أطلق تسميات على أولئك، فهذا رجل باب وذاك رجل حقيبة، أو ليس الذي ألقى التحية رجل ستارة؟ والذي عبر سريعاً رجل نسمة؟ والذي تهاوى رجل فأس؟ ومَن هاتفني رجل مظلّة؟ كبرت وكبرت الحياة ومن فيها من أحياء وأشباه أحياء، ولا تزال اللعبة السابقة الآنف ذكرها تمر في خاطري وتلح على ذاكرتي وتستحوذ على اهتمامي، وما أزال أزاولها مع مطلع كل صباح وأنا ألتقي البشرية في حلّي وفي ترحالي، ولم أتوانَ أحياناً عن التصريح لهم بما هم عليه من حال. لكن هذا لا يعني في شكل من الأشكال أن في الوصف والتوصيف مذمّة لا سمح الله، كل ما في الأمر أن رؤيتي ابتدأت تسلية وتحوّلت إلى تحليل سيكولوجي ورؤية أشمل للأشياء وارتباطاتها وظلالها، فالرجل الغيمة يسقي من علوّ شاهق والرجل الشجرة يفيء ويؤوي ويقدّم خضاره وثماره بلا مقابل وبلا استثناء أو تمييز أو ممارسة عنصرية بشكل أو بآخر، والرجل الحقيبة رجل كثير الأسفار لا يهدأ ولا يستقر. أما الرجل البحر رجل عميق وغامض ومفاجئ ومتقلّب وخطر ومتناقض ولا يؤتمن جانبه، على رغم ما فيه من كنوز وما لديه من ثروات، والرجل الجدار صلب وبارد ويفتقد إلى الأحاسيس يخفي ردود أفعاله لكنّه لا يؤذي ولا يتدخّل في شؤون الآخرين. وما ينطبق على الرجال ينطبق على النسوة، فكل منهن تشبه شيئاً ما بداية بالمرأة الفراشة والمرأة النحلة مروراً بالمرأة القصيدة والمرأة الشمعة وانتهاء بالمرأة القنبلة والمرأة السفينة. أهلاً بكل رجلٍ عصفور... وتبّاً لكل رجُلِ حذاء. [email protected]