أنا من ضيعت في الأحلام والأوهام عمرها. منذ صغري وعندما كنت اسأل عما أريد أن أكون عندما أكبر، لم أكن أختار ست بيت ولا معلمة ولا ممرضة، بل كنت أريد أن أكون في عمل ما غير مسموح وغير لائق ومن غير الجائز أن تكونه بنت في بلادها، محامية مثلاَ، بائعة أو مهندسة! لكني كنت صغيرة وكنت أحلم، وكذلك كنت أحلم بزوج مؤكد أنه لا يشبه أي رجل مطروح على الساحة الزوجية، دافئ ورومانسي وحنون وسعيد. كبرت وفهمت ووعيت فلم أجد التناغم والانسجام والتكامل ما بين واقعي وأحلامي، فالحلم شيء جميل إذا تمكنا من تحقيقه، وإن لم نتمكن فيصبح بالطبع «يا ساتر» كابوس ثقيل، ولذا فالواقع كان يقر ويعترف لي كل يوم أن أفيق من نومي الغزلاني، لأنني بنت وعليّ أن «أنطم» وأسكت وأكون إما معلمة أو ممرضة، وبالكثير ست بيت وليس من المهم أن تكون شاطرة، فلا بيت يخلو من خادمة أو خادمتين أو حتى فرقة خدم. إذن ما لزومي في هذه الدنيا، أفلا يمكن لأي شخص كان أن يستغني عني في أي محطة، طالما أنني لا أعمل ولا أحب ولا أجيد دور الزوجة المرسوم في مخيلة سي السيد مسبقاً ولاحقاً، فأنا لا أفيد ولا يستفاد مني! مرة آخرى أسألكم ما لزومي؟ أنا أعرف أن المرأة هي المسؤولة عن قصة الحب وبناء البيت وهي ربان السفينة، إلا أن هذا المسافر لا يخضع للقوانين والأنظمة الطبيعية للهيام والعشق والحب والعشرة، لأن الزواج أخذ وعطاء، والحب هو أن تمد وتسعد وتصنع من حبيبك الأحب والأعمق والأروع. لكن سامحوني وجدت مثلما تجد كل امرأة في شرقنا، كائناً يركل الأحلام ويكسر الأماني، بينما بناء البيوت عمار. إنه أشبه ببناء كرسي ينبغي على الشريكين الاستقرار عليه بتوازن، ويصبح الشرط أن يكون للكرسي أربعة أرجل ثابتة ومتينة، فكرسي بثلاثة أرجل يعد بسقطة مؤذية، وما زال هذا الرجل مصمماً أن يبقيها عرجاء، زعماً منه أنه سيقفز من كرسي إلى آخر وأنه هكذا سيتفادى السقطة! الموضوع برمته الجلوس على كرسي بأربعة أرجل، أي التوازن والعدل للاستقرار، فمستحيل للحياة أن تستمر من دون ذلك، وبالخلط ما بين الواقع والقصص الوهمية. قصة الحب عليها أن تكون حقيقية، فمن المهم جداً أن يحافظ الإنسان على جوهره وعلى حقيقته وذلك ما نحن في صدد خسارته، حقيقتنا، خصوصاً نحن النسوة التعيسات على الأرض، اللاتي مهما تعددت وسائلنا في تأجيل القرار والحظوة بمتسع من الوقت الضائع للتفكير. كيف سنعيش وكيف سنحافظ على السبع وعلى أنفسنا منه ومن أذيته؟ وما طرق النجاة لنا لنحيا وما هي سبل الهروب لنواجه؟ لسنا بطلات، أنا شخصياً امرأة عادية، ولست حتى بشهرزاد! ليس في مقدوري ولا في استطاعتي أن آتي كل يوم بقصة فريدة وحكاية مشوقة وطبخة مختلفة وعطر أخاذ لاصطياد هذا المغرور، وفي بعض الحالات علي أن أصطاد له لأطعمه أيضاً، فكفاية بقى تعذيب وشقاء ودموع في فراق ودموع في لقاء! لم يعد في استطاعتي تحمل هذا الفساد الأسري! نعم فإذا كان الجميع يحاولون أن يحاربوا الفساد والانفلات الأخلاقي، فمن يعيرني اهتمامه لنحارب الفساد في العلاقات الزوجية؟ ببساطة لأن الأسرة هي نواة المجتمع. فلنحيا حياة صادقة لا غش فيها ولا ظلم ولا مسلسلات رعب وخوف، إن طلق وإن لم يطلق، إن أحب وإن تزوج بأخرى وإن حتى لم يتهبب، وبدلاً من حلم ألف ليلة وليلة تصير الحياة ألف مرارة ومرارة إلى أن تطق المرارة، لأن هذا الرجل يعيش ما بين الزهو والتخبط وما بين أن يكون له زوجة يمارس عليها العنف العبثي وكل أشكال التمييز الممكنة واللاممكنة، المحققة والصعب تحقيقها، الواضحة منها والمستترة والمستدفئة والمدثرة. وما بين أن يكون له شريكة يستحمل هو غثاها، لأنها إما ممرضة أو معلمة في الأرياف أو متعلل قلبها بمئة علة لتساعده أن يجلس على الكرسي ولو كان الكرسي بثلاثة أرجل. كرسي بثلاثة أرجل وقاعدين! يا للأعجوبة الحاصلة في شرقنا. خلف الزاوية عصفور على الشجرة يغني أفضل من اثنين في اليد... بيصرخوا [email protected]