تبدو كلمات من نوع الحماسة والانفعال والتشويق، قليلة في وصف الحال التي عمّت «مسرح المدينة» في بيروت، أول من أمس، إذ تحوّلت إحدى قاعات المسرح منصة دارت عليها «أشرس» منافسات ال «بريك دانس» ضمن مسابقة «ريد بُل بي سي وان» وهي مسابقة معروفة عالمياً في هذا المجال. وقبل احتدام المنافسة في الداخل، كان راقصو فريق «بي بويز» وصلوا باكراً، وانتشروا على رصيف شارع الحمراء، أمام المسرح، تلفّهم جلبتهم المرحة التي لفتت أنظار المارة، إذ أطلقوا ضجيجهم المفرح تخللته ضحكات ووعود بتحدٍّ تنافسي. كانوا 16 مشاركاً، بينهم شابة واحدة، وتراوحت أعمارهم بين 16 و27 سنة. حضر كلّ منهم بزيّه الخاص. بعضهم اعتمد البساطة، مكتفياً بال «جينز»، فيما حاول البعض الآخر إضفاء لمسة خاصة على إطلالته، بارتداء ألوان جريئة أو حذاء رياضي غير مألوف جعل الخطوات «مضيئة» على المسرح. والحال أن دخول القاعة، حيث أقيمت المسابقة، تطلب مساعدة المنظمين بسبب الازدحام والحماسة، خصوصاً أن بعض المشاركين كانوا ما زالوا يجرون تمارين الدقائق الأخيرة. وما هي إلا لحظات حتى تغيّر المشهد في الداخل كلياً. انصبّت الأضواء على المسرح، واستهل أعضاء لجنة التحكيم الثلاثة المسابقة بعروض أبهرت الجمهور وعلت معها الهتافات والتصفيق. كيف لا، وأعضاء اللجنة أبطال عالميون، كالإيطالي تشيكو والسينغالي لامين والفينزويلي ليل دجي؟ ومع إطلاق اللجنة إشارة بدء العرض، انطلقت، على وقع أنغام الهيب هوب، «مبارزات» ثنائية وفق صيغة «الضربة القاضية»، إذ مُنح كلٌّ من المتنافسين فرصتين في كل جولة لعرض مهاراته. بل ذهب البعض إلى تقديم ما تعدّى الرقص إلى عرض بصري مبهر من خلال وضعيات يثبت فيها الجسد الراقص على يد واحدة أو يؤدي قفزات استثنائية. فأين تعلّم هؤلاء الشباب كل هذه الحركات؟! لدى طرح السؤال على بعض المشاركين في لبنان، تنوعت الإجابات. فقال شاب يسمّي نفسه «بي بوي مونيكس» (20 سنة) وهو طالب جامعي يتخصص بإدارة الأعمال وأحرز البطولة العام الماضي: «لم يعلّمني أحد، تعلّمت هذه الحركات وحدي من خلال مشاهدة عروض عبر الإنترنت وتطبيقها في مدخل المبنى حيث أقطن، أو في ملعب كرة السلة، ثم في المسرح». أما طارق رامي (18 سنة)، فانتقل من احتراف رقص «الهيب هوب» إلى التدرّب على «البريك دانس»، منذ 7 أشهر، في أحد معاهد الرقص في بيروت. وتسجّلت «بي غيرل لانا» (20 سنة) وهي طالبة سنة ثالثة في كلية الإعلام، بدورها، في المعهد الروسي لتعلّم هذه الرقصة التي وجدت نفسها منجذبة إليها منذ بدأت تتابع أبطالها على التلفزيون والإنترنت، وراحت تتمرّن ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً. وتقرّ بأن «البريك دانس» يتطلب بنية جسدية قوية، لكنها قبلت التحدي على رغم ما عانته من إصابات خلال التمارين. وتفخر بأنها الشابة الوحيدة في لبنان وربما في الشرق الأوسط التي تمارس هذا النوع من الرقص، وتفوّقت على عدد من الشبان لكنها لم تنل البطولة حتى الآن وما زالت تحلم بها. وهذا الحلم ذاته، الذي يراود رالف قبلان أو «بي بوي رالف» (16 سنة) منذ ثلاث سنوات تحقق أخيراً! فلدى اعتلائه المنصة بقميصه الأبيض وخطواته الرشيقة، أسر «بي بوي رالف» أنظار المحكّمين في كل مبارزة خاضها، بفضل انسيابيته وتكتيكاته واستراتيجية الحركات المنوّعة نزولاً وصعوداً ودوراناً! هذا المراهق، الذي حقق المركز الثاني في السنتين الماضيتين، وضع المركز الأول نصب عينيه وثابر على التمرين أكثر من ساعتين يومياً حتى أتقن هذا الفن بكل تفاصيله، وبات جسمه أكثر ليونة، مهما كانت الوثبة أو الاستدارة صعبة. ويجيب الشاب الفائز بعفوية مطلقة، بعد إعلان النتائج: «سأنام مطمئن البال الليلة، أخيراً تغلبت على كل منافسيّ من السنوات الماضية! أنا في غاية السعادة وأتطلع بشوق كبير إلى المشاركة في بطولة الشرق الأوسط وأفريقيا». ولا يخفي رالف أن لمدربه، مارون أدولف، فضلاً كبيراً عليه إذ أحسن توجيهه في ما يتعلّق بالأداء النهائي على المسرح، ويحيّي أيضاً أهله الذين «لم يوفروا جهداً في دعمه ومتابعته»، كما يقول، قبل أن تتدخل والدته غيتا بفرح ظاهر: «لقد اكتسح الجميع!»، وأضافت: «يتمرّن منذ سن العاشرة، وأنا كنت ألحّ عليه كي يثابر على التدريب، في ذلك الوقت أردت انتزاعه من أمام التلفزيون وألعاب الفيديو التي كان يتسمّر قبالتها لساعات... وها هو اليوم يحرز بطولة تلو الأخرى!». وعلى هامش المباراة، قال المدير الإعلامي الإقليمي لدى «ريد بُل»، ألبرتو شحود، ل «الحياة»: «إن الفائز في مباراة اليوم هو بطل لبنان، وسيشارك في بطولة الشرق الأوسط وأفريقيا في 14 أيلول (سبتمبر) المقبل في مصر أو المغرب حيث سيتنافس مع حوالى 14 مشاركاً، ليتأهل الفائز هناك للمشاركة في بطولة العالم في كانون الأول (ديسمبر) المقبل في ريو دي جاينيرو في البرازيل». وأشار إلى أن بطولة «بي سي وان» تنظم للمرة الأولى في لبنان، نظراً إلى المستوى المتقدم للمتنافسين، في حين أن المباريات، خلال السنوات الأربع السابقة، كانت تقام تحت عنوان «ريد بُل بريكينغ» وكانت للمبتدئين. ولفت إلى أن «الإقبال على هذا النوع من المسابقات يزداد، ففي السنوات الماضية، كانت نسبة المشاركة خجولة وكان الخوف يطغى على المنافسة، أما اليوم فحتى نحن ذهلنا بمستويات المشاركين». يذكر أن التصفيات الإقليمية لبطولة «البريك دانس» ستضم الفائزين في بطولات محلية من لبنان ومصر وقطر والكويت وعُمان والأردن والسعودية والبحرين والإمارات والمغرب والسنغال وغانا وساحل العاج.