أثار توالي فشل الأندية الأدبية في عقد الاجتماع الأول للجمعية العمومية تساؤلات كثيرة، وراح البعض يبحث عن الأسباب وراء هذه الإخفاقات المتتالية. كانت البداية، في نهاية الشهر الخامس من العام الماضي، حين نشرت الصحف عنواناً يعطي دلالة كبيرة «دعاة وأكاديميون يفوزون في انتخابات نادي مكة الأدبي»، في اليوم التالي لانتخابات نادي مكة. هذا العنوان جعل المثقفين يستفيقون من سباتهم على واقع جديد مختلف، عمّا كانوا «يحلمون» به، ويقرأونه فيما بعد في لائحة الأندية الأدبية التي صدرت في السابع من أيار (مايو)، من العام نفسه، إذ كان الجميع قد لاحظ أن هناك طائفة كبيرة من المثقفين تعاملوا مع اللائحة بشيء من اللا مبالاة، وعدم الجدية مع الفكر الانتخابي الذي طالما نادوا به، إلا أنهم عندما وجدوا أنفسهم قد أصبحوا خارج دائرة الأندية، في ظل لائحة «مطاطة» تم استئمان المجالس السابقة، المعينة من الوزارة على «بلورتها»، لتصب في الغالب في مصالحهم، وضمان بقائهم أطول فترة ممكنة. هنا ازدادت الأصوات التي قالت «هناك خلل وثغرات يجب تعديلها»، ولكن كان ذلك بعد أن وقع الفأس في الرأس، وأصبح الواقع يثبت في كل جولة انتخابية، أن المثقفين النشطين والمعروفين ينحصر عددهم، وتبرز فئات جديدة للسيطرة على الأندية، تنتمي إلى شرائح مختلفة وتمثل أفكاراً وتيارات متنوعة. وهذا ما يراه الناقد حامد بن عقيل، فهو يقول: «إن الانتخابات وضعت عدداً كبيراً من مثقفينا أمام حقيقة أنهم يعانون من أمراض ومعضلات لا علاج لها، أهمها عدم الإيمان بحق الآخر في التعبير عن رأيه، وبالتالي كانت الانتخابات صادمة لمن توقعوا أنهم هم وحدهم من يمتلك تعريف الشأن الثقافي وبالتالي إدارته». من جهة أخرى، التزم غالب أعضاء المجالس التي كانت تشرف على الانتخابات بالصمت؛ كونها ترى الأمر يصير في مصلحتها، ولم تسجل حالات «معارضة» للائحة والانتخابات لأحدهم، إلا بعدما شاءت الأقدار، أيضاً، أن يخرجوا خارج الحسبة كغيرهم من المثقفين المتضررين. وكان ذلك التعاطي مع الفكرة الديموقراطية من المثقفين متوقعاً، بحسب ما ترى الدكتورة أميرة كشغري، «فثقافة الديموقراطية لدينا طارئة وحديثة، ولم تتبلور بعد». ويشاركها في هذا الرأي الشاعر محمد الفوز، الذي يقول: نحن ما زلنا على عتبة الانتخابات، والحراك الديموقراطي في المؤسسات الثقافية الأهلية جدير بالصبر والمساءلة في الآن نفسه». وبعد أن طويت صفحة الانتخابات، وبقي «نادي المنطقة الشرقية الأدبي»، الذي لا يزال مجلسه حتى الآن معيناً، برز أول امتحان للدور المنوط بالجمعيات العمومية، في تقويم من وثقت بهم لتمثلها في مجلس الإدارة، عبر مراجعة الملفات المالية والاطلاع على خط سير عمل النادي، إذ شهد أندية حائل والأحساء وتبوك وجدة والمدينة المنورة وأبها والطائف، «فشلاً» في عدم اكتمال نصاب أعضاء الجمعية العمومية، وبالتالي إلغاء الاجتماع. وهذا ما تراه الدكتورة لمياء باعشن، والتي كانت من أبرز الأسماء المعارضة للائحة منذ اعتمادها، أمراً متوقعاً «ما لم تتغير اللائحة بشكل جاد، فالمشهد سيتكرر مرات ومرات، حيث تحشد فيها الجموع التصويتية التي ستختفي بعد الانتخابات، لتصبح الجمعية بعد ذلك هزيلة ولا سلطة لها». ويؤكد الفوز هذا الرأي «فاللغط سوف يستمر، ولن ينتهي ما دامت لائحة الأندية الأدبية بها عدد من الثغرات». فيما اعترفت كشغري بما يعتري واقع الأندية الأدبية «في ظل هذه المعطيات هو محزن، بسبب عدم وجود جدية، وعدم تحول الثقافة إلى قيمة، بل إلى هدف وقتي يتم من خلاله الوصول للغايات الشخصية». وهذا ما تسميه كشغري «التصويت عبر مفهوم الفزعة»، الأمر الذي دفعها إلى اقتراح محفزات لدفع الأعضاء للحضور مثل «المفطحات» أو وضع سحوبات على أجهزة آيباد». وتزعم أن ذلك سيكون مجدياً «خصوصاً مع من أسميهم بالنقاد الدائمين، الذين لا يقدمن حلولاً، ومع ذلك يكثرون من التشكي من عدم الاستفادة من المبلغ الذي دفعوه». ويعتبر الفوز أن الأندية تمر ب«مأزق انتخابي». ويرجع ذلك إلى «عدم وجود رؤية ثقافية تستدرج هؤلاء الناخبين لأن يكونوا حاضرين في عين مجلس إدارة النادي أو على مرمى حجر من عقد الجمعية العمومية، الذي يفترض به أن يرى ويناقش ويقيم التجربة عن قرب»، مبيناً أن كل عضو جمعية عمومية «له حق المطالبة بالتغيير والتعديل في خطة سير النادي، كما أنه أولى للمشاركة في لجانه وفعالياته ومطبوعاته، ولكن الوعي الانتخابي ليس حاضراً في ذهن الناخبين ولا لدى أعضاء مجلس الإدارة». وعلى رغم كل هذا السواد القاتم الذي يصوره كثيرون، يقر الفوز بضرورة «أن نكون شركاء في بلورة الصراع الأدبي ونتخفف من ثقل أرواحنا، التي اكتهلت مبكراً من الشتائم والمواربة بين تيارين متناحرين أحدهما يمثل الأدب الحديث، والآخر يتمثل في أشخاص يحسبون أنهم أدباء». ويذهب ابن عقيل إلى أن وزارة الثقافة والإعلام «لا تعرف ما تريد ولا إلى أين تتجه»، موجهاً أصابع الاتهام إليها «فكل خلل داخل الأندية الثقافية للوزارة يد فيه، فهي تستقطب مثقفين يفترض أنهم مستقلون من الناحيتين الثقافية والوظيفية، وتريد أن تطبق عليهم معايير موظفيها». ويبقى السؤال: هل فشل المثقفون في المحافظة على «حلم» الديموقراطية الذي كانوا يطالبون به لبناء مجتمع ثقافي حر، أم أن غيرهم نجح في الاستفادة من الثغرات الواقعة في لائحة الأندية الأدبية ليلِج إلى عقر دارهم، دون أن يحق لأحد الاعتراض على قانونية وجودهم؟