عشية الانتخابات الرئاسية في مصر، التي يتوقع أن تبدأ في 23 الجاري، يجد المثقفون المصريون أنفسهم في مواجهة مشهد واضح تماماً، لكنه مُحير ومُحبط، في ضوء إصرار التيار الإسلامي؛ وفي قلبه جماعة «الإخوان المسلمين»؛ على الفوز بمنصب الرئاسة، بعد فوزه بغالبية مقاعد البرلمان بغرفتيه، وتشبثه بالهيمنة على صوغ الدستور، بما يعني ذلك من حتمية فرض قيود على حرية التعبير، تفوق ما كانت عليه الحال في ظل النظام السابق الذي قامت ضده ثورة 25 يناير 2011. وزير الثقافة المصري شاكر عبدالحميد لا يستبعد أن يفوز مرشح «الإخوان» بمنصب الرئيس، لكنه يرى أن ذلك لا ينبغي أن يقلق المثقفين، «طالما ستتحد التيارات كافة وتتوافق على أهداف عليا؛ في مقدمها عدم المساس بحقوق الفكر والإبداع». عبد الحميد الذي سبقه إلى المنصب نفسه أربعة وزراء منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2011 سيمنح صوته إلى «مرشح وسطي لديه خبرة سياسية ومشروع قومي وخطط مستقبلية لمصر»، رافضاً ذكر اسمه. صنع الله ابراهيم وحزب «التجمع» ويقول الروائي صنع الله إبراهيم: «أنا شخصياً أرى أن هشام البسطويسي؛ مرشح حزب التجمع اليساري؛ هو أصلح من يتولى رئاسة الجمهورية، لأنه قاض، وخاض معارك عدة في وقت مبكر جداً، ضد مبارك، كما أنه متزن، وعاقل». لكن صاحب «تلك الرائحة» استطرد ليؤكد علمه بأن فوز البسطويسي هو «أمر مستبعد»؛ كاشفاً في الوقت نفسه إعجابه بالمرشح عبد المنعم أبو الفتوح؛ القيادي السابق في جماعة «الإخوان المسلمين»، ومتمنياً فوزه «رغم أنه محافظ». ويرى إبراهيم أن الرئيس المقبل لن يستطيع؛ على أية حال؛ الانفراد بالحكم، «إذا وضعنا آليات تحد من جموحه». ويلاحظ صنع الله إبراهيم الذي رفض في العام 2003 جائزة «ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي»؛ لأن مانحها؛ المجلس الأعلى المصري للثقافة، يمثل نظام حكم فاسد، أن الإسلاميين قادرون؛ استناداً إلى مبدأ «السمع والطاعة»، على حشد أنصارهم خلف مرشح بعينه، فيما اليسار لا يستطيع ذلك لأنه يعاني ضعفاً ناجماً عن تفتته. الروائي حمدي أبو جليل حسم أمره، ولكن في سخرية مريرة، إذ قال ل «الحياة»، إنه سيعطي صوته إلى مرشح «الإخوان»، متمنياً فوزه «لأننا لن نتخلص من عته الإسلام السياسي، إلا لو حكم وتمكن تماماً». وأضاف أبو جليل: «سأتجرع السم وأعطي صوتي لمحمد مرسي؛ من أجل الخلاص الأبدي من الإسلام السياسي الذي هو العقبة أمام أي تقدم حقيقي لهذا البلد». ويحدد الروائي شريف حتاتة سبيلاً آخر ل»الخلاص»، بأن «تتجاوز قوى الثورة الديموقراطية الخلافات القائمة بينها، وتشرع في بناء تحالف شعبي واسع ومرن يُصفي الأبنية الفاسدة، ويُقيم ما يُمكن أن يحل مكانها من بناء جديد». ويضيف حتاتة محبطاً: «إنها معركة طويلة وصعبة ولا يبدو أن قوى الثورة الديموقراطية تتمتع بالنضج الكافي وبالقدرة على التخلص من النظرة المصلحية الضيقة التي تفرق صفوفها». وعلى أية حال، فإن حتاتة الذي قضى من قبل سنوات عدة في السجن على خلفية نشاط سياسي معارض، لن يقاطع الانتخابات، لكنه، كما يقول، سيعطي صوته إلى الناشط العمالي خالد علي؛ «لأنه إنسان مخلص يحاول مساعدة المحرومين من حقوقهم. سأعطيه صوتي وأنا أعلم أنه لن يفوز». وسيحصل خالد علي أيضاً على صوت الشاعرة إيمان مرسال؛ «إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ومن أجل برنامج العدالة الاجتماعية الذي يطرحه، لأنه بالنسبة لي، ينبغي أن يكون أهم أولويات الرئيس المقبل». لكن، «إذا جرت إعادة بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح؛ كما هو متوقع، فسأعطي صوتي للأخير بلا تردد». وتقيم مرسال في كندا، وبحسب المعلن رسمياً فإن التصويت سيبدأ يوم 17 الجاري بالنسبة إلى المصريين المقيمين خارج البلاد. وترى مرسال أن المصريين يعيشون «لحظة تاريخية لا يحكمها صراع أيديولوجي، رغم وجود الإخوان والسلفيين وذعر الليبراليين منهم، بل صراع بين دولة أمنية فاسدة وبين ما نادت به الثورة من عدالة وحرية». وتضيف: «لا يزعجني على الإطلاق الخوف على الثقافة ولا حرية التعبير – وهو ما يجعل الكثيرين ضد أبو الفتوح، باعتباره محسوباً على «الإخوان»، في رأيهم، رغم انفصاله عنها- لأن حكم مبارك لم يكن دولة مدنية تحترم فكرة المواطنة ولا حرية التعبير، بل حُكم عصابة فاسدة من الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال». وخلصت مرسال في تصريح إلى «الحياة» إلى أن «موضوع حرية التعبير لن يحضره الرئيس المقبل معه أياً كان، بل سيتحقق بالعدالة الاجتماعية وهدم مؤسسات الإعلام الحكومية وتطوير التعليم جذرياً وهو ما سيستغرق عقوداً». عماد أبو غازي:مدنية الدولة أما وزير الثقافة المصري السابق عماد أبو غازي، فسينتخب من في نيته «الحفاظ على مدنية الدولة في مواجهة التديين والعسكرة». ويقول أبو غازي الذي استقال من منصب وزير الثقافة احتجاجاً على قتل متظاهرين في وسط القاهرة: «مشينا في مسار خاطئ من البداية ولا نضمن أن يأتي بنتائج سليمة»؛ مشيراً إلى تصويت غالبية المصريين ب»نعم» في الاستفتاء على الإعلان الدستوري في 19 آذار (مارس) 2011. ومع ذلك يصر أبو غازي على الإدلاء بصوته في انتخابات الرئاسة؛ «لأنني منذ أن بلغت الثمانية عشرة من عمري لم أقاطع أي انتخابات أو استفتاءات، إلا لظروف قهرية». ويضيف: «يمكن أن أُبطل صوتي، أو أعطيه لمن هو أقرب إلى من أتمناه». ولا يرى الفنان التشكيلي عادل السيوي من بين المرشحين من يستحق أن يعطيه صوته، ويقول: «جميعهم حلول وسط، وغالبيتهم عبارة عن تنويعات على تجارب قديمة؛ يستوي في ذلك بقايا النظام القديم وممثلو التيارات الدينية التي تريد توسيع سيطرتها على المجتمع. لا يوجد من يمتلك القدرة على إقناع الناخب، أما المرشحون الذين لهم علاقة بالثورة فمعرفتنا بهم محدودة». ولا يخفي السيوي أنه كان يتمنى أن يرشح محمد البرادعي نفسه؛ «لأنه داعم لتحول يقوده الشباب الذين صنعوا الثورة، وهؤلاء هم القوة الوحيدة القادرة على ترجيح كفة مرشح معين، في مواجهة قوة الإخوان». ويؤكد صاحب دار «ميريت» الناشر محمد هاشم الذي يفخر بأنه متهم بمؤازرة الثوار، أنه سينتخب الناشط خالد علي «لأنه في الأربعين من عمره وبرنامجه ينحاز إلى العمال». ويضيف هاشم أنه سيقاطع المرحلة الثانية من الانتخابات لتوقعه أن المنافسة فيها ستكون بين مرشح ينتمي إلى نظام مبارك، وآخر ينتمي إلى الإسلام السياسي. ويرى الشاعر رفعت سلام أن مشكلة هذه الانتخابات؛ «تتمثل في أنها حصرت المثقفين وطوائف وجماعات أخرى بين اختيارين أحلاهما مُر، فإما أن تختار شخصاً ينتمي إلى نظام مبارك كعمرو موسى، بل ولا يدرك مفهوم الرئاسة إلا من خلال نموذج مبارك، وبين شخص إسلامي يمثل تهديداً لحريات الثقافة والإبداع ويعمل على العودة بالمجتمع إلى الوراء». ولكن لمن سيعطي سلام صوته؟، يقول: «عموماً سأترك حسم هذا الأمر للحظة الأخيرة». ويرى الشاعر محمد الحمامصي أن «المشهد ضبابي وغامض»، ويضيف أنه سيقاطع الانتخابات «لأن الفائز فيها سيكون ذا خلفية عسكرية حتماً». العسكر؟ الإسلاميون؟ تؤكد الروائية سلوى بكر أنها ستقاطع الانتخابات. وتوضح أن انتخاب رئيس للبلاد قبل وضع دستور جديد يجعل تنفيذ برنامجه أمراً غير مضمون. وتضيف أن المثقفين «كان ينبغي عليهم التكتل عقب الثورة لوضع دستور لدولة مدنية، لكنهم فشلوا في منع العسكر من وضع إعلان دستوري اتضح أنه يؤكد سعيهم للبقاء في الحكم، وليس الخروج الآمن منه، كما يقال». الناقد والروائي سيد الوكيل لا يرى في الأفق ما يدعو إلى الاطمئنان، «في ظل مباراة بين العسكر والإسلاميين، فيما القوى الثورية مستبعدة تماماً». ويضيف: «نحن مضطرون إلى التفكير بمنطق: إذا جاءك الغصب اجعله جميلاً، لهذا أظن أن معظم المثقفين سيراهنون على الحصان الأسود، الذي قد يكون هشام البسطويسي أو خالد علي أو حمدين صباحي». ويقول الشاعر جمال القصاص: «بعيداً من تواطؤات المراكز والأطراف، وثقل القوى الفاعلة والنائمة، ينبغي إرساء مبدأ تداول السلطة، لأنه هو الاختبار الحقيقي لمدى صدقية القوى والتيارات السياسية كافة في مرآة الثورة». ويضيف أن وضعية المرشحين ال13 تشكل تنويعة لا بأس بها في تمثيل أطياف المجتمع المصري، وهذا يسهِّل كثيراً عملية الاختيار، لتنحصر بين مرشحين اثنين». ويؤكد القصاص أنه يميل إلى انتخاب حمدين صباحي، «فأنا أعرفه عن قُرب، وأثق في نزاهته وتجرده وإخلاصه، وإن كان هذا لا يمنع إعجابي بحنكة عمرو موسى، وبراعته في النظر إلى الحياة من تحت أقنعته الديبلوماسية الأنيقة». ويميل الفنان التشكيلي والكاتب عز الدين نجيب أيضاً إلى انتخاب حمدين صباحي، الذي يروج في دعايته لكونه «ناصرياً». سيفعل نجيب ذلك، رغم علمه أن حمدين صباحي لن يكون طرفاً في جولة الحسم التي ستكون؛ كما يتوقع، بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، مشيراً إلى أنه سيختار الأخير؛ «لأنه يمثل الإسلام الوسطي المستنير، وإن كنتُ أخشى من خلفيته الفكرية التي قد تجعله أداة طيعة في يد الإخوان». ويرى الروائي إبراهيم عبدالمجيد أن انتخابات الرئاسة هي نتيجة جيدة للثورة، مشيراً إلى أنه يحترم المرشحين الذين ساهموا في التمهيد لها وهم عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العز الحريري وهشام البسطويسي وحمدين صباحي وخالد علي، لكنه يفضل الأخير لكونه أصغرهم سناً حتى ولو كانت فرصته في الفوز ضئيلة. رئيسة تحرير جريدة «أخبار الأدب» عبلة الرويني ترى في تنوع خلفيات المرشحين «فعلاً أول»، من الناحيتين السياسية والثقافية. وتضيف: «تلك الانتخابات هي خطوة فارقة في مشوارنا الديموقراطي، بغض النظر عن آلياتها، وهي خطوة مهمة كذلك في الوعي الانتخابي والرقي السياسي، فضلاً عن أنها أحد أهم مكاسب الثورة». ويؤكد الشاعر والروائي ياسر شعبان تأييده عمرو موسى «إذا لم يحصل توافق بين المرشحين اليساريين؛ حمدين صباحي وأبو العز الحريري وهشام البسطويسي وخالد علي». ويستند بحسب ما كتبه على «فايسبوك» إلى أنه لا يرغب في المساهمة في «تسليم مصر الثورة إلى الإسلاميين بكل مناوراتهم وسعيهم للاستحواذ والهيمنة».