على رغم كثرة الإصدارات التي سعت إلى التوثيق البصري والسردي لأحداث الثورة المصرية التي اندلعت في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، يظل للكتاب الذي أصدرته مؤسسة «المورد الثقافي» أخيراً تحت عنوان «مصر 25 يناير»، مكانته المميزة، لكن ليس إلى حدّ وصفه بأنه «أول كتاب توثيقي عن الثورة المصرية باللغة العربية»، بحسب بيان المؤسسة، لأن كتباً عربية كثيرة سبقته في السعي إلى تحقيق هذا الطموح. ولا ينكر معدو الكتاب الحس الرومانسي الذي قادهم إلى إنجازه، رغبة في «توثيق لحظات لن تمحى من الذاكرة، وغيرت وطناً ومواطنين ووحدتهم على كلمة واحدة». وفي مقابل هذا الحس تؤكد «المورد الثقافي» الحاجة الماسّة إلى التوثيق الأمين والدقيق لكل ما يتعلق بالثورة، وهو جهد علمي طموح يحتاج إلى تكاتف باحثين ومؤسسات معنية أكثر بالتوثيق العلمي من كونها تسعى إلى تثبيت لحظات بعينها وإبراز حضورها الرمزي في الذاكرة. إلا أن قوة الكتاب تأتي من تميز فكرته، التي سعى إلى تحقيقها عبر رهانه على دلالة الرقم 25، إذ يقدم معدو الكتاب خياراً دالاً في مجالات التوثيق سعياً إلى التقاط لحظات بعينها والتوقف أمامها كمؤشر بياني لمسار الثورة. فهم اختاروا 25 مقالاً توثق للثورة صعوداً وهبوطاً، كتبها كل من مدير صفحة «كلنا خالد سعيد» على «فايسبوك»، وأسماء محفوظ، ووائل جمال ونيفين مسعد ومصطفى كامل السيد وأهداف سويف ومحمد البلتاجي وخالد الخميسي ومحمد أبو الغيط، وسارة حنفي وأنسي الحاج، وبلال فضل وعمرو الشوبكي وعلاء الأسواني ومصباح قطب وعمرو عزت، وأيضاً مجموعة من التدوينات لبعض الناشطين السياسيين، منهم محمود سالم، ونوارة نجم. وبالمثل اختار معدو الكتاب 25 رسماً غرافيتياً وكاريكاتيراً، فضلاً عن 25 صورة فوتوغرافية، وصولاً إلى «مذبحة بورسعيد» في الأول من شباط (فبراير) الماضي. كما قدّموا «وجوه الثورة»، وعلى رأس هؤلاء خالد سعيد «شهيد قانون الطوارئ»، وأحمد حرارة أشهر مصابي الثورة المصرية، وأحمد ماهر مؤسس حركة «6 أبريل»، وإسلام لطفي أحد شباب «الإخوان» الذي خالف قرار الجماعة ورفض الانسحاب من الميدان يوم «موقعة الجمل»، وعلاء عبد الفتاح الناشط الحقوقي الذي رفض الاعتراف بشرعية المحاكمة العسكرية له كمدني، وغيرهم الكثير من الناشطين السياسيين الذين مثّلوا الأثر الفاعل على مسارات الثورة المصرية. كما يوثق الكتاب لبيانات وصور 25 شهيداً يرى أنهم من وجوه الثورة الرئيسية، ومن بين هؤلاء أحمد بسيوني ومينا دانيال والشيخ عماد عفت. ومثل كتب كثيرة اختار معدو الكتاب أن تكون البداية بعنوان «تواريخ»، ما يعني التوقف عند أخبار صحافية دالة من تاريخ ظهور الحركة المصرية من أجل التغيير في 8 آب (أغسطس) 2004. كما كشف عن 25 مطلباً من مطالب الثورة التي لم يتحقق معظمها حتى الآن. وضم الكتاب 25 صورة التقطها عدد من المصورين من أجيال مختلفة، مثل إيمان هلال وفادي عزت ومحمد حسام الدين ويحيى دوير وروجيه أنيس ورندا شعث ومحمود خالد وحمدي رضا وتوماس هارتويل وغيرهم من المصورين المبدعين الذين تنوعت أعمالهم ما بين السعي التوثيقي الصحافي القائم على رصد الحدث وما يطرحه من مادة خبرية وما بين الرصد الجمالي القائم على إبراز تناقضات بعينها أو دلالات ذات عمق فني يصعب تفاديه. كذلك وثق الكتاب ل25 هتافاً من هتافات الثورة على مدار عام 2011، و25 رسماً كاريكاتيرياً للفنانين عز العرب، ومحمد صلاح، وأمجد رسمي، ومخلوف، ووليد طاهر، ومحمد أنور، ومهاب مختار وعبد الله أحمد، وقنديل، وهشام رحمة وأحمد نادي. ولعل هذه الرسوم من أقوى المواد التي احتواها الكتاب، لأنها قدمت فنانين من خارج دوائر الشهرة ومن أجيال مختلفة وبعضهم غير معروف إطلاقاً على رغم تميز أعمالهم ورهانها على أفكار طازجة لا تفتقر إلى سخرية موجعة تَسِم الأحداث المصرية خلال الأشهر الأخيرة. يضم الفصل ما قبل الأخير 25 رسماً غرافيتياً تصوّرها شادي يوسف لضمّها إلى الكتاب. وهذا الفصل على أهمية الدور الذي لعبه فن «الغرافيتي»، افتقر إلى جهد معلوماتي في التعريف بمبدعي هذه الأعمال. وإذا كانت ثمة صعوبة في الوصول إلى معظمهم لكونهم يعملون غالباً بعيداً من أعين أجهزة الأمن، كان يمكن تقديم معلومات توثيقية عن فناني الغرافيتي الذين قدمتهم الثورة وأشهرهم يحمل اسماً حركياً هو «جنزير». واستمراراً لحسّ ملاحقة الأحداث يوزّع مع الكتاب مجاناً «فلاش ذاكرة» يحتوي على 25 فيديو وأغنية عن الثورة لفنانين صاروا معروفين ولعبوا أدواراً في إبقاء راية الخيال مرفوعة، منهم فيروز كراوية ومصطفى سعيد ومحمد محسن وباسم وديع وفرقة «سكندريللا» ورامي عصام الذي قدم خمس أغنيات. وغالبية هذه الأعمال ظهرت في أسطوانات مدمجة بدعم من «المورد الثقافي»، بالإضافة إلى أعمال أخرى قدمها محترفون مثل أحمد مكي، بينما غابت أعمال علي الحجار ومحمد منير.