لم تعد فكرة التدخل العسكري في سورية مستبعدة، على رغم أن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي ألقى على مسامع لجنة الكونغرس لائحة ذرائع تحول دون هذا التدخل، «ففي ليبيا كان ثمة اجماع في العالم العربي على التدخل وفي خارجه. ويُفتقر اليوم الى مثل هذا الإجماع حول سورية. والمعارضة غير منظمة ولا معقل تبسط سيطرتها عليه (...) والتدخل العسكري يفاقم الاوضاع ويعرّض المدنيين للخطر»، قال بانيتا. ويوم عرض هذه الذرائع، أي في 19 نيسان (ابريل)، علت في واشنطن اصوات مخالفة تقول إن الحل العسكري محتمل، إذا واصل ديكتاتور دمشق استراتيجية المجازر. وسرت عدوى هذه التصريحات في باريس، حيث عقد اجتماع بين وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، ونظيرها السعودي الأمير سعود الفيصل، ونظيره القطري، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. وتؤيد قطر التدخل العسكري لاطاحة نظام دمشق. وزير خارجية فرنسا نبّه في اجتماع باريس الى خطر الانزلاق الى نزاع اقليمي في الشرق الأوسط، ما لم تتوقف عاصفة العنف الأسدي في سورية. وأعلنت كلينتون السعي في مجلس الأامن الى اصدار قرار يلتزم الفصل السابع من شرعة الأممالمتحدة التي تجيز استخدام القوة المسلحة. وهي دعت الى فرض عقوبات مالية على نظام دمشق، وحظر بيعها السلاح. وأوجه الشبه بين هذه الاقتراحات وبين قرار 1973 الذي اجاز التدخل العسكري في ليبيا، ضعيفة. وتطالب المعارضة السورية بإنشاء ممرات انسانية ومناطق آمنة. ولمحت الوزيرة الأميركية تلميحاً ملفتاً الى وجوب عدم طمأنة الاسد الى غياب الحل العسكري، وذكرت أن تركيا عازمة على طلب مساعدة الحلف الأطلسي في مواجهة تداعيات الازمة السورية في اراضيها: تدفق اللاجئين وانتقال النزاع المسلح السوري الى اراضيها. ولكن هل يلبي الحلفاء الأطلسيون الدعوة التركية يوم تُوجه؟ وهل هذه التصريحات والتلميحات جزء من حرب نفسية، تتستر فحسب على عجز المجتمع الدولي؟ وفصول المأساة السورية لم تتوقف منذ 13 شهراً، وراح ضحيتها اكثر من 11 ألف قتيل، وارتفع عدد المعتقلين الى اكثر من 25 ألفاً، وبلغ عدد النازحين عشرات الآلاف. وقد لا يقتصر الامر على حرب نفسية، بل قد تكون هذه التصريحات مؤشراً الى نفاد صبر الديبلوماسية الدولية ازاء عدم التزام بشار الأسد وقواته وقف النار. وهذا ما بدا جلياً في اعلان وزير الخارجية الفرنسي اثر استقبال معارضات سوريات في 25 نيسان، ان الأمور لن تبقى على هذه الحال. وإذا تعذر تنفيذ خطة كوفي أنان، لن يُسمح للنظام السوري بتحدي المجتمع الدولي، وسيصدر مجلس الامن قراراً يستند الى الفصل السابع، لكن جوبيه لم يوضح السبيل الى مثل هذا القرار. المراوحة بين التمسك بقرار صادر عن مجلس الامن أو الوقوف موقف المتفرج قد لا تدوم. فالتدخل في كوسوفو في 1999 لم يلتزم تفويضاً أممياً، ودعت اليه اخطار زعزعة امن المنطقة والحالة الانسانية المتدهورة ونفاد السبل الأخرى الحل. وقال رئيس الوزراء البريطاني، في آذار (مارس) الماضي، إن سابقة كوسوفو تظهر أن الفيتو الروسي لن يحول دون المبادرة الى «حل عادل اخلاقياً». ويرى الباحث الفرنسي جان–بابتيست فيلمر في كتابه «الحرب دفاعاً عن المبدأ الإنساني: القتل او السماح به»، أن مجلس الأمن ليس الجهة الوحيدة المخولة قانوناً اقرار التدخل العسكري. وإذا حوصرت القوات الأممية وسط المجازر، لن تقف الدول الكبرى مكتوفة اليدين، في وقت يلوح طيف انبعاث مأساة البوسنة. في الغرب لا يرغب أحد في شن حملة عسكرية في سورية، إثر التعب العسكري في حملة ليبيا وقبيل الانسحاب من افغانستان. والإدارة الأميركية تريد استمالة روسيا في الملف الإيراني، ولكن إذا لم يوقف الأسد المجازر التي تهدد الاستقرار الإقليمي، ارتقى التدخل العسكري حلاً أمثل ورجحت كفته. * مراسلة، عن «لوموند» الفرنسية، 27/4/2012، اعداد منال نحاس