في الثالث والعشرين من نيسان (أبريل) شنّت مجموعة تطلق على نفسها اسم «الجيش السوري الإلكتروني» سلسلة هجمات إلكترونية تمكّنت من شل قدرة قناة «العربية» الإخبارية على التحكم بمنصات الإعلام الاجتماعي التابعة لها. فقد محررو القناة التي تتخذ من دبي مقراً لها، السيطرة كلياً على صفحة «العربية» على موقع «فايسبوك»، وقناتها على موقع «يوتيوب»، وعدد من حساباتها على موقع التدوين المصغر الشهير «تويتر» حيث بدأ حساب «العربية» الخاص بالأخبار العاجلة ببث معلومات – ثبت لاحقاً أنها غير صحيحة – سعت إلى خلق إشاعات بوجود خلاف داخل الحكومة القطرية ووجود انفجار في حقل غاز. سعى مديرو القناة وخبراؤها التقنيون إلى استعادة السيطرة على الحسابات الإلكترونية المخطوفة، ساعد في ذلك أن الهجمات جاءت في وقت متأخر من الليل بمعنى أن الاتصال المباشر بالمقار الرئيسة لعدد كبير من مزودي الخدمات في الولاياتالمتحدة كان متاحاً، إلا أن الهجمات لم تتوقف حتى اليوم التالي كونها استهدفت الحسابات الشخصية وعناوين البريد الإلكتروني الخاصة بعدد من أبرز مقدمي البرامج في مجموعة «إم بي سي»، الشركة المالكة ل «العربية». عقب هجمات 23 نيسان، استطعت الوصول إلى أحد قيادي «الجيش الإلكتروني السوري» عبر «تويتر» مستفيداً من «طعم» تركته في تدوينة نشرتها على موقع «هافيغنتون بوست» الأميركي البارز كان عبارة عن تساؤلات حول حقيقة هذا الجيش المفترض... بعد ساعات من نشر التدوينة، حقق «الطعم» الهدف ووجدت أن رابط الموضوع بدأ يتداول من قبل أشخاص تحمل معرفاتهم على «تويتر» الحروف الثلاثة التي ترمز إلى لانتماء لهذا الجيش الافتراضي، والرموز هي SEA المجتزأة من تسمية Syrian Electronic Army باللغة الإنكليزية. وجدت أحد العناصر الذي يزعم أنه عضو في «قسم العمليات الخاصة»، تركت له رسالة فتبعني ملمّحاً إلى أنه يرغب في تبادل رسائل عبر البريد الخاص. عقب التواصل الأول، اشترط هذا القيادي الذي يطلق على نفسه الاسم الرمزي THE PRO (والذي رمزت له باسم «المحترف» خلال سلسلة مقابلات من جزأين نشرتها قبل أيام عبر موقعَي «إيلاف» و«هافيغتون بوست»)، أن تتم المقابلة عبر برنامج الدردشة الخاص ببريد غوغل الإلكتروني، وهو ما وافقت على فعله. «المحترف» أعطى ل «الحياة» معلومات إضافية حول كيف تم اختراق مواقع «العربية»، ولكن من الضروري التنويه بأن التحقق المستقل عن هوية «المحترف» كقيادي في الجيش السوري الإلكتروني لم يكن ممكناً، إلا أنه قدم ما يكفي من المعلومات الخاصة والصور الحصرية الكافية لجعل قصته ذات صدقية عالية. وتشمل الصور – على سبيل المثال لا الحصر – صورة لوحة التحكم الخاصة بحساب قناة «العربية» على موقع «تويتر» التقطت في 23 نيسان وصورة للوحة التحكم الخاصة بمدونة موقع «لينكد إن» التقطت في 23 نيسان، ومجموعة من الصور لرسائل إلكترونية خاصة بعدد من موظفي «إم بي سي» ومذيعيها. حرب على من «يشوه الحقائق» لدى سؤال «المحترف» عن أسباب مهاجمة الجيش السوري الإلكتروني مواقعَ «العربية» على الشبكات الاجتماعية، يجيب الناشط الإكتروني: إن القناة «أعطت رقماً غير واقعي عن الأشخاص الذين قتلوا في سورية وهم لا يقولون كلمة واحدة عن التظاهرات المؤيدة للأسد». من جهة ثانية يشير «المحترف» إلى أن الحرب ليست مع قناة «العربية» وحدها لكن مع وسائل الإعلام كافة التي يصفها بأنها «تشوه الحقائق حول ما يجرى في سورية»، بما في ذلك قناة «الجزيرة» القطرية التي يقول إن الجيش الإلكتروني قد هاجمها مراراً، وهو ما يدعمه برسائل إلكترونية أرسل نسخاً عنها من مسؤولين في القناة يشيرون إلى «هجوم آخر من قبل السوريين». ينتقد «المحترف» أداء «العربية» و«الجزيرة» ويشاركني بعدد من ملفات الفيديو المتوافرة، أحدها تقرير يفترض أن الأخيرة ادعت أن ميدان العباسيين في دمشق تم احتلاله من قبل مسلحين، فيما يظهر الفيديو عكس ذلك. كما أشار إلى تقرير آخر أنتجته قناة «الدنيا» السورية يدعي أن «العربية» تستخدم برنامج فوتوشوب في تزوير اللقطات كما تبث صوراً من تظاهرات البحرين على أنها من سورية. استوقفت «المحترف» بالسؤال: هذه القنوات لم تأتِ بالأرقام من تلقاء نفسها، فالأممالمتحدة تقول إن 9000 شخص قتلوا، وقناة «العربية» تقدم ما تقوله تقارير الأممالمتحدة. هل الأممالمتحدة على خطأ أيضاً؟ يجيب القيادي في الجيش الإكتروني «القصة هي مراوغة في أحسن الأحوال، ولكن الأهم أنها تتجاهل الإشارة إلى حقائق أساسية كمقتل 3000 عسكري من الجيش العربي السوري... هم لم ينتحروا!». ورفض مازن حايك - الناطق الرسمي لمجموعة MBC، التعليق على مضمون اتهامات الجيش السوري الإلكتروني بالانحياز. لكنّ مصدراً معتمداً ضمن المجموعة اعتبر أن الادعاءات «محاولة تقليدية» ل «إلقاء اللوم على وسائل الإعلام. مضيفاً «لم تتسبب أي وسيلة إعلامية بقتل وجرح وتشويه لعشرات الآلاف في سورية». يذكر أن قناة «العربية»، مثل غيرها من القنوات الإخبارية الدولية ممنوعة من تقديم تقارير ميدانية في سورية. من جهة ثانية، وفي محادثة إضافية تمت بعد المقابلة الأولى معه، يكشف «المحترف» أن «الهجمة الإلكترونية على «العربية» تمت من خلال «اختراق السيرفير البريدي عبر ثغرة في التطبيق الشبكي لبرنامج آوتلوك المستخدم في نظام البريد الإلكتروني لمجموعة إم بي سي». ويضيف: «اخترقنا سيرفيرات قناة الجزيرة بالطريقة نفسها». حرب على الجبهات كافة في السادس والعشرين من شهر نيسان الجاري، شن الجيش السوري الإلكتروني هجوماً ناجحاً آخر على مدونة شبكة «ليكند إن» LINKEDIN وفي حين يمكن فهم - لماذا يمكن هكذا مجموعة أن يكون لديها مشكلة مع القنوات الإخبارية، كان لا بد من السؤال حول ماذا يبرر مهاجمة هذه الشبكة الاجتماعية التي تعمل على مساعدة الناس على العثور على وظائف؟ «LINKEDIN موقع مشهور جداً على شبكة الإنترنت، ونحن يمكن أن نرسل رسالة من خلاله إلى الكثير من الناس الذين يعرفونه ويستخدمونه»، يجيب «المحترف». وفيما ينفي أن هذا الموقع الاجتماعي نفذ أو نشر أي شيء ضد نظام الأسد، يقول «على كل الناس أن يعرفوا أن هناك عصابات مسلحة تقتل الأبرياء في سورية ونحن اخترقنا LINKEDIN لنشر رسالتنا السلمية» من جهةٍ ثانية يؤكد «المحترف» أن مجموعة من النشطاء الذين يتزعمهم هم أيضاً جزء من «الجيش السوري الإلكتروني» نفسه الذي اخترق موقع جامعة هارفارد العام الماضي، وترك صورة للرئيس السوري بشار الأسد في زيه العسكري على صفحتها الرئيسة. ولعبت شهرة جامعة هارفارد دوراً حيوياً في جعلها هدفاً مغرياً للجيش السوري الإلكتروني. إضافةً إلى ذلك، كونها مؤسسة أميركية يجعل منها «هدفاً مقبولاً». وقال «تعرف أنها إحدى الجامعات الأميركية، ونحن جميعاً نعرف ما تقوم به أميركا في بلدنا والشرق الأوسط». من جهة أخرى ولدى البحث عن صفحة «الجيش السوري الإلكتروني» على موقع «فايسبوك» يجد المتصفح أكثر من خيار، ويوضح «المحترف» بأن شبكة التعارف الاجتماعي العملاقة هذه أقفلت 148 صفحة للجيش، منها ما أعيد افتتاحه، في حين تم إغلاق الصفحة الرقم 149 أخيراً. خلال محادثاتنا، حاولت مرات عدة أن أسال «المحترف» عن اسمه الحقيقي وسنه وعمله إلا أن محاولاتي كلها باءت بالفشل. التنظيم من الداخل «المحترف» يعطي حجة قوية جداً لتفضيله البقاء مجهول الهوية قائلاً «أود أن أذكر لك اسمي، ولكن مناوئي الأسد (المتظاهرين) قتلوا اثنين من أعضائنا». ويوضح أنه في المراحل الأولى من الأزمة السورية في مطلع عام 2011، كان أعضاء الجيش الإلكتروني السوري يكتبون في الفايسبوك باستخدام أسمائهم الحقيقية، وهذا شيء أدركوا في وقت لاحق أنه خطأ «قاتل» بكل معنى الكلمة. بعد ذلك أرسل لي المحترف وصلة لتقرير إخباري أنتجه تلفزيون «الدنيا» ينعى شاباً سورياً عمره 17 عاماً يحمل اسم أحمد محمد قباني يفترض أنه كان ناشطاً في الجيش السوري الإلكتروني. ووفقاً للتقرير، تم اختطاف قباني، الذي يتحدّر من إدلب، وهي مدينة في شمال غربي سورية، وتعذيبه وقتله على أيدي مناهضين للأسد بدقة بسبب انتمائه إلى الجيش السوري الإلكتروني. ويدعي «المحترف» أن عملية القتل وقعت في 26 آب (أغسطس) 2011، ويوضح أن المهاجمين تمكنوا من تعقب قباني لأنه استخدم اسمه الحقيقي أثناء تعليقه ونشر مواد على إحدى صفحات الفايسبوك التابعة للجيش الإلكتروني. إلا أن بعض الناشطين الإلكترونيين المعادين لنظام بشار الأسد قالوا إنه «لا يوجد ما يمنع من أن يكون قباني قتل على أيدي «شبيحة النظام» وإن والده أجبر على القول إن القتل تم لكون ابنه «يدافع عن وطنه». بعد ذلك بفترة قصيرة، نعى الجيش السوري الإلكتروني عضواً آخر. هذه المرة كان المساعد أول لورانس فواز بركات، ويشار إليه هنا برتبته العسكرية الحقيقية لكونه مجنداً في الجيش السوري. وتظهر صور عدة متوافرة على الإنترنت لبركات في زيه العسكري، ومنها ما تظهره وهو يحمل مسدساً. ووفقاً للمحترف قتل بركات على أيدي «العصابات» في ريف دمشق في 29 تشرين الثاني 2011. منذ ذلك الحين لا يكتب أعضاء الجيش السوري الإلكتروني بأسمائهم الصريحة. من جهة ثانية، كان لا بد من السؤال إن كان الجيش السوري الإلكتروني يقف بنسبة 100 في المئة وراء الرئيس بشار الأسد وإن كان «المحترف» يرى أي شيء خاطئ في ممارسات النظام الحالي؟ يجيب «أنا لست مع المحتجين»، مشدداً على أنه يعتقد أن الرئيس الأسد يقدم الإصلاحات بالفعل. وزاد «نحن مع سورية واستقرار سورية والرئيس الأسد هو الضمانة الوحيدة للسوريين لعدم حصول حرب أهلية». لكن، هل هذا الولاء مجاني أم مدفوع الثمن؟ أو بعبارة أخرى كم يدفع نظام الأسد في شكل مباشر أو غير مباشر لتمويل هذه العمليات المعقدة؟ «ما تسميه النظام هو في قلب شعبه... لم ولن نتقاضى أي مال للدفاع عن سورية لأنها بلدنا»، يجيب «المحترف» زاعماً أن الجيش يمول نفسه بنفسه. من ناحية أخرى وفقاً لفايسبوك، يبدو أن جبهة مضادة برزت تحمل اسم الجيش السوري الإلكتروني الحر وهي تقاتل إلى جانب المتظاهرين المؤيدين للديموقراطية ضد النظام السوري الحالي. وعن ذلك يقول: «هذا الكلام لا يعنينا وهاجسنا الوحيد هو أن نكون من المساهمين في حماية بلدنا من الإرهاب». أما بالنسبة للتسلسل الهرمي، فيؤكد المحترف أنه أحد قادة الجيش السوري الإلكتروني، وليس القائد الوحيد لآلاف من الناشطين الذين ينتمون إلى هذا الجيش داخل سورية وخارجها. قبل الختام أحاول أن أحصل على معلومة حول هدف الجيش، فيجيب «نحن لا نهدد أي شخص، لكننا نخترق لإرسال رسالتنا إلى العالم».