العنوان هو تسمية اللجنة التي دعتنا ( المطربة الأردنية مكادي نحّاس والمطربة الفلسطينية سناء موسى وكاتب السطور) لإحياء أمسيتين شعريتين/ غنائيتين تحت شعار «نستحق الحياة» يعود ريعهما لصالح الطفل والطالب الفلسطيني.الأمسيتان استقطبتا حشداً كبيراً من المهتمين وتغطية اعلامية واسعة وسخاءً في التبرعات خصوصاً لصالح انشاء قسم خاص لعلاج الأورام وأمراض الدم عند الأطفال في مستشفى الحسين في بيت جالا/ بيت لحم في فلسطينالمحتلة. لجنة «كويتيون لأجل القدس» هي نتاج تعاون مشترك بين جمعية الخريجين والجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية في الكويت، أُنشئت مع قيام انتفاضة الأقصى في العام 2000م إلاّ أن جذورها تمتد الى بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى. تعمل اللجنة على دعم مشاريع التنمية في مجالات الصحة والتعليم والتدريب والتأهيل وإيقاف تهويد مدينة القدس والأراضي الفلسطينية وتعزيز التضامن بين الشعبين الكويتي والفلسطيني وتطوير مصادر تمويل المشاريع وتنويعها. أن يُقام مثل هذا النشاط في الكويت وبرعاية رسمية ممثلة بوزير الاعلام محمد المبارك الصباح، فهذا له دلالات كثيرة نظراً للغمامة السوداء التي اعترت العلاقة الكويتية/ الفلسطينية إثر غزو صدام حسين للكويت وموقف القيادة الفلسطينية منه آنذاك. طبعاً العلاقات الرسمية عادت الى مجاريها منذ زمن، لكن اللافت هو الحماس الأهلي الكويتي لنصرة القضية الفلسطينية خصوصاً من قبل المشرفين على اللجنة الذين يؤكّدون بمبادراتهم أن فلسطين لا تزال هماً عربياً جامعاً رغم التراجع والتردي اللذين يشوبان قضايانا المصيرية. الأمر الآخر اللافت هو توقيت أمسيات لجنة «كويتيون لأجل القدس»، فالكويت لا تزال مشغولة بنتائج الانتخابات الأخيرة لمجلس الأمة وبقضايا داخلية وإقليمية كثيرة تبدأ بالاستجوابات النيابية لوزراء في الحكومة ولا تنتهي بقضية ميناء مبارك الكبير فضلاً عن هموم الاقليم الذي تقع الكويت على خاصرة صعبة منه. لكن رغم الانشغالات والهموم الكبرى يجد كويتيون مؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية وبأحقيتها الوقت والظرف الملائمين لإقامة فعاليات ناجحة لا تكتفي بترداد الكلام الممجوج والشعارات الانشائية الطنانة عن القضية وصوابيتها، بل تقوم بفعل مادي ملموس يُترجم إنجازات واقعية على الأرض الفلسطينية. ولا يستغربن أحد حماسة الكويتيين لفلسطين، خصوصاً اذا استعدنا صفحات ناصعة من ستينات القرن المنصرم وسبعيناته، يوم وُلدت حركات فدائية وعاش مناضلون أوائل في الكويت وساهموا في صحافتها وحياتها الثقافية الزاخرة آنذاك. ما يُفرح القلب ويسرّه أيضاً أن الشعر والغناء لم يعودا فقط أداة تثوير أو تحريض، أو حتى تنوير، ولم يعودا فقط مجرد حالة نفسية وجدانية تساهم في بث الأمل ورفع الروح المعنوية، بل باتا قادرين على المساهمة بفعل مادي ملموس يعود بالخير والمنفعة على شرائح من الشعب الصامد الصابر وهو يواجه المحتل الاسرائيلي باللحم الحي والعزيمة التي لا تنكسر ولا تلين، وبهذا نتأكد ونؤكد مجدداً أن الأدب والفن لا يمكنهما البتة الانفصال عن الواقع والتحليق بعيداً من شجون الناس وهمومهم مهما ارتديا من حلل وأوصاف، لأن لا فكاك للإبداع الانساني مهما حلّق وارتفع، عن المعاناة الانسانية وما تكتنفه من آلام وآمال. صحيح، كانت فلسطين -ولا تزال- موضوع متاجرة من أنظمة وجهات كثيرة، وصحيح أيضاً أن الشعوب العربية مهمومة الآن بالمخاض وبالتحديات التي تعيشها على أكثر من مستوى من المحيط الى الخليج، لكن الصحيح أيضاً أن فلسطين تظل جرحاً غائراً في الوجدان العربي الجمعي وقبلة لكل مؤمن بالحرية والعدالة وقيم الحق والخير والجمال. ولئن كانت الأنظمة والجهات السياسية تتاجر بالقضايا السامية النبيلة، فإن الناس يظلون صادقين في انتمائهم ومشاعرهم ، وهذا ما لمسناه في أمسيتي الكويت، اللتين نضحتا بالشعر والصدق والدمع والمشاعر الجياشة، والسخاء والأريحية دعماً لقضية تبقى عادلة محقة مهما تقادم الزمن، فتقادم الأيام لا يجعل الباطل حقاً ولا الحق باطلاً، وسنظل نردد «هنا القدسُ هنا الأمسُ، والغدُ الأبيضُ في أثداء الأمهات».