قطعت العقد السادس من العمر. كانت تعاني صداعاً وبعض الدوار أحياناً. لم تنزعج منهما كثيراً وعزتهما إلى التقدم في خريف الشيخوخة. لكن مع مرور الوقت أخذ الاثنان ( أي الصداع والدوار) يأتيان بوتيرة أسرع. أصيبت برجفة في اليدين وبدأت تفقد التوازن. ومن وقت إلى آخر تشعر بخفة الرأس. وفي إحدى المرات سقطت أرضاً، ونقلت إلى أقرب مركز طبي حيث قدمت لها الإسعافات الضرورية وأجريت لها الفحوص اللازمة، خصوصاً التصوير بالرنين المغناطيسي، ليتبين على أثرها أن هناك انفجاراً في شرايين الرأس أفادت المعطيات الأولية انه ناجم عن وجود تصلب في أحد شرايين المخ. لا شك في أن التمتع بصحة عقلية جيدة يعتمد، في الدرجة الأولى، على سلامة الشرايين الدماغية التي توصل الغذاء والهواء والماء إلى كل خلية من خلايا المخ، ولكن عندما تصاب هذه الأسلاك بالعطل والضرر فإن الآمر الناهي الذي يتربع على عرش الجسم (المخ) سيتأثر حتماً، وقد يترتب عن ذلك تبعات لها أول وليس لها آخر. لكن كيف يحصل تصلب الشرايين في المخ؟ بداية يجب أن نعرف أن الشرايين تتألف من ثلاث طبقات هي: الطبقة البطانية، والطبقة المتوسطة، والطبقة الخارجية. وفي تصلب الشرايين تطرأ تبدلات استحالية تنال من الطبقتين البطانية والمتوسطة، فالأولى بما يتراكم عليها من جزيئات كوليسترول وصفائح دهنية تتفاعل معها، والثانية بما يطرأ عليها من تحولات تزيد من سماكتها وتقلل من مرونتها، تؤديان في نهاية المطاف إلى جعل الشرايين قاسية، غليظة، انبوبية، وغير مطواعة. ومع التقدم في العمر تبدأ مركبات مختلفة، خصوصاً دهنية والتهابية، بالتراكم على الجدران الداخلية للشرايين، ومنها تلك القابعة في الدماغ، وشيئاً فشيئاً تتشكل تلة تكبر مع الوقت لتسبب تضيقاً يترتب عنه نقص في الإمدادات الدموية إلى المنطقة التي يغذيها الشريان، وفي حال كبرت الهضبة الشحمية لتسد الشريان بالكامل، فإن مصير خلايا المنطقة هو الموت حتماً. عدا هذا وذاك، ولسبب ما، يمكن للمنطقة المتصلبة من الشريان أن تنفجر، ما ينتج عنه نزف داخلي يقود إلى هلاك المنطقة الدماغية التي يمدها الشريان بالغذاء والهواء والماء. لم يستطع الباحثون التوصل بعد إلى السبب الفعلي المتورط في قضية تصلب شرايين في المخ، لكن هناك جملة من العوامل التي تعجل من أمر حدوثه: 1- العوامل الوراثية، فالأشخاص الذين يملكون تاريخاً عائلياً بتصلب شرايين المخ هم أكثر عرضة للإصابة به من غيرهم. 2- العمر، تزيد فرصة الإصابة بتصلب شرايين المخ كلما تقدم الشخص في العمر، ويتضاعف الخطر كل 10 سنوات بعد سن ال 35. 3- الجنس، إن نسبة الإصابة بتصلب الشرايين في المخ تزيد عند الذكور أكثر من النساء حتى سن الخامسة والخمسين، أما بعد ذلك فتتساوى النسبة لدى الجنسين. 4- الداء السكري، ويعتبر تصلب الشرايين أحد أبرز مضاعفات هذا الداء الذي يبطش بأهم الأعضاء حيوية في الجسم. 5- التدخين، وهو يعد من أهم عوامل الخطر التي تطلق العنان لحدوث تصلب الشرايين، والكارثة أن المدخن لا يضر نفسه وحسب بل جميع المحيطين به الذين يستنشقون الدخان الآتي من المدخن عبر الأثير. 6- ارتفاع ضغط الدم، إذ يقود هذا الارتفاع إلى حدوث تلف في البطانة الداخلية لجدران الشرايين يشجع على هبوط الجزيئات الدهنية، خصوصاً الكوليسترول السيئ، فيحدث التصلب الشرياني القابل للتمزق في أي لحظة تحت وطأة الضغط المرتفع، وهذا الأمر يحصل كثيراً عند الذين يعانون ارتفاع الضغط ولا يلتزمون بعلاجاتهم في شكل منتظم. 7- عوامل أخرى، مثل الإفراط في تناول الدهون، وزيادة الوزن، وشرب الكحوليات، والتوترات النفسية. كيف يتظاهر تصلب الشرايين في المخ؟ كما ذكرنا ، فإن تصلب الشرايين يمكن أن يؤدي إلى بطء في سريان الدم أو إلى انقطاعه كلياً، وتبعاً لهذا فإن خلايا المخ التي يغذيها الشريان المصاب تحرم من الدم جزئياً أو كلياً، الأمر الذي يعرضها للتلف المرضي البسيط أو الشديد وفقاً للفترة الزمنية التي حرمت منها هذه الخلايا من التروية الدموية، ومن باب العلم فإن خلايا المخ تحتاج إلى إمداد مستمر بالدم الذي يحمل معه الأوكسيجين وسكر الغلوكوز، من هنا يجب التصرف بسرعة لتقديم العون الطبي الضروري، مع الأخذ في الاعتبار الحال الإجمالية للمصاب. هل تمكن الوقاية من تصلب شرايين المخ؟ إن درهم وقاية خير من قنطار علاج، وبناء على هذا المثل الشهير والواقعي يجب تطبيق الإرشادات الآتية للوقاية من تصلب الشرايين في المخ: - على المدخن أن يطلق التدخين فوراً قبل فوات الأوان. - على مريض الضغط أن يتبع العلاج المنتظم لأرقام الضغط بحزم. - على المصاب بالسكري أن يضبط مستوى السكر في الدم. - على الذين يعيشون في بيئة متوترة أن يهجروها إلى بيئة هادئة. - على البدناء أن يحزموا أمرهم من أجل تخسيس أوزانهم. - على الشرهين ألاّ يمعنوا في الأكل، خصوصاً الدهنيات والسكريات. - على الكسالى أن يتحركوا، ففي الحركة بركة، خصوصاً أنها تحسن من مستوى السكر في الدم، وتخفف من أرقام الضغط الشرياني، وتحسن صورة دهنيات الدم، وتقلل من وطأة التوترات النفسية. - على الذين يعرفون والذين لا يعرفون أن يأخذوا في الاعتبار أن الزعفران، والرمان، والعنب الأحمر، والثوم، والبصل هي أغذية أساسية في الوقاية من تصلب الشرايين وفي منع تدهوره في حال وجوده. أمهات الدم الدماغية من المضاعفات المهمة لتصلب الشرايين في المخ تشكل أمهات الدم، فالتصلب يخلق مناطق ضعيفة في مكان أو أكثر من جدران الشرايين، وتحت تأثير ضغط الدم تنتفخ تلك المناطق الضعيفة لتشكل ما يسمى أمهات الدم التي تبدو كحبات التوت المعلقة على ساق النبات. ومع مرور الوقت قد يزداد حجم هذه الأمهات إلى درجة تنتهي بالانفجار مسببة حدوث نزف كبير وبالتالي قطع التروية عن محطات مهمة في الدماغ ما يؤدي إلى شلل جزئي أو كامل... وربما إلى الوفاة. إن أمهات الدم الصغيرة لا تعطي عادة عوارض تذكر، في المقابل فإن أمهات الدم الكبيرة تعطي المظاهر الآتية: الصداع الشديد المفاجئ، والآلام في الرقبة والوجه، والاضطرابات في الرؤية وفي النطق. وفي حال تمزق أمهات الدم، يعاني المصاب من الصداع العنيف، الغثيان، التقيؤ، التصلب في النقرة، التحسس من الضوء، توسع حدقة العين، التشوش في الرؤية أو الازدواج في الرؤية، الألم فوق مكان أم الدم، الهلوسة وفقدان الوعي. [email protected]