يبدو ان الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية في 6 ايار (مايو) المقبل غير محسومة لاحد المتنافسين، الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي والمرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند، رغم ان كل الاستطلاعات قبل الدورة الاولى كانت تظهر في جميع الأحوال فوز الاخير. ولعل عدم اليقين ازاء نتائج الدورة الثانية، رغم ميل الكفة لمصلحة المنافس الاشتراكي، يعود اساسا الى النسب التي حازها في الدورة الاولى اليمين المتطرف واليسار الراديكالي وضمور الوسط. وهذا يعني ان الحملة للدورة الثانية ستسعى الى التركيز على الشعارات التي قد تستقطب الجمهور الذي اقترع لأحد حدي التطرف، حيث يوجد الخزان الانتخابي الذي سيحسم النتيجة. وهذا بالضبط ما يثير قلقاً اوروبياً واضحاً، خصوصا ازاء سعي ساركوزي الى تملق ناخبي «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة، وسعي هولاند الى زيادة شحنة الراديكالية في خطابه من اجل استقطاب ناخبي «جبهة اليسار». لقد صرح ساركوزي مراراً، منذ إعلان ترشيحه، أنه سيسعى الى الحد من تدفق المهاجرين الى فرنسا، وانه سيعيد النظر في اتفاق «شينغين» لتنقل الأفراد بين الدول الاوروبية الموقعة عليه، لكن الجديد بعد الدورة الاولى، هو جعل قضية الهجرة والامن و «الأفضلية» الفرنسية، الشعارات الاساسية ل «الجبهة الوطنية» في صلب برنامجه. وهو بعث بوزير داخليته كلود غيان، المعروف بآرائه ومواقفه القريبة من اليمين المتطرف الى اجتماع لوكسمبورغ امس ليطالب بإعادة فرض المراقبة على الحدود في تعارض واضح مع اتفاق «شينغين». وإزاء هذا الانحراف الى اليمين المتطرف في حملة ساركوزي واقتراحاته، علق وزير خارجية لوكسمبوغ بان «رائحة كريهة» تفوح من اقتراح فرنسا حول «شينغين». وزادت المفوضة الاوروبية المكلفة الشؤون الداخلية بدعوة «القادة الاوروبيين الى ان يثبتوا جدارتهم بالقيادة بدل السعي الى تملق قوى اليمين المتطرف» في اشارة واضحة الى ساركوزي. في موازاة ذلك، يثير احتمال فوز هولاند قلقاً أوروبياً أيضاً يتعلق باتفاقات اوروبية وقع عليها ساركوزي خلال ولايته. واول هذه الاتفاقات ذلك المتعلق بالاستقرار النقدي الذي صادق عليه الاتحاد. إذ يرى المرشح الاشتراكي ان هذا الاتفاق ركز على جانب ضبط الإنفاق والصرامة في الموازنة، من دون ان يتطرق الى مسألة النمو التي في نظره وحدها يمكن ان تخرج اوروبا من حال الجمود الاقتصادية. وقد كان هذا الموقف سبباً في توتر علاقته مع المستشارة أنغيلا مركل التي رعت الاتفاق مع ساركوزي، معلنة رفضها المسبق لإمكان إعادة النظر فيه. الى ذلك، وفي مسعى الى استقطاب اليسار الراديكالي المتحفظ عن كثير من اسس بناء الاتحاد، قد يندفع هولاند الى تبني بعض من مواقف هذا اليسار، وايضاً الى مواقف بعض الاشتراكيين، مثل لوران فابيوس المرشح لشغل منصب هام في ادارة هولاند، والذي قام بحملة واسعة للتصويت ب «لا» على الاستفتاء الاخير حول البناء الاوروبي، خلال عهد الرئيس السابق جاك شيراك. يدرك المرشحان انهما تحت المجهر الاوروبي. ولذلك اختصرا، في حملة الدورة الاولى، السياسة الخارجية بالقضايا الاوروبية. واذا تناول احدهما شأناً خارجياً آخر، فإنه تناوله من زاوية وجود المهاجرين القادمين من الخارج الى فرنسا، وليس من زاوية العلاقات الدولية مع هذا الخارج. ورغم ان الازمة السورية فرضت نفسها على اجندة الخارجية الفرنسية، لم يبلور اي من المرشحين وجهة نظر متكاملة في شأن العلاقات الفرنسية مع المنطقة والقوى الناشئة في العالم. وقد يبرران ذلك بأن الهموم الداخلية هي التي تستقطب الناخب الفرنسي وليس القضايا الخارجية. لكن النتيجة حتى الآن، هي غياب مثل هذه النظرة المتكاملة، باستثناء ما تثيره من قلق اوروبي حول اضطرار الاتحاد للعودة الى التفاوض على اتفاقات أساسية فيه، سواء فاز الرئيس الحالي او منافسه.