مشهدُ المسلح وهو يقتل بالرصاص جنوداً عراقيين وقعوا أسرى بين أيدي تنظيم «داعش» الإرهابي في الموصل، يثير الاشمئزاز ويدعو الى الاستنكار الشديد. الشعور نفسه راودنا، منذ أشهر، حين عرضت الفضائيات مشهداً يظهر فيه مسلح من «حزب الله» أو من التنظيم العراقي «ابو الفضل العباس» يعدم أيضاً أسيراً من الثوار السوريين بحجة وجود تكليف شرعي!! المشهدان أعادا الذاكرة الى اندريس برفيك. طمنوا بالكم. برفيك ليس شيعياً ولا سنيّاً. «الأخ» كاثوليكي من النروج. قتلَ وبدمٍ بارد في 22/07/2011، 77 شخصاً من أبناء ملته في جزيرة «Utoya»، في النروج! ايضاً، لا بأس من الرجوع الى عام 1995، والتذكير «بالطيّب الذكر» بتمتوي مكفاي الأميركي، والذي فجّر شاحنة، امام المبنى الفيديرالي في أوكلاهوما 19/04/1995، فأودّى بحياة 168 شخصاً وجرح أكثر من 500!! ترى، ما الذي يجمع بين الأربعة؟ الثابت، هو الميل الى العنف المفرط القاتل، وازدراء الآخرين، والنظر اليهم بدونية، كأنّهم حشرات، يجب إبادتها، من دون أي اعتبار للروح البشرية، وإنسانية الإنسان. وبالإمكان إيراد شكل آخر من أشكال العنف، كالعنف الممنهج الذي يُمارسه النظام السوري ليس فقط في حق الثوار بل أيضاً في حق المدنيين، أو كما فعل كيم- جونغ- أون– ديكتاتور كوريا الشمالية، الذي أمر بتجريد زوج عمته (المتهم بالتآمر عليه) من ثيابه مع 5 آخرين زجّ بهم في قفص كبير، كانت تنتظرهم فيه مجموعة من الكلاب البرية تمّ تجويعها مسبقاً، فانتهشتهم في مشهد دموي (الصُحف، 5/1/2014). العنف الذي أوردنا أشكاله أعلاه، هو الوجه الآخر للإرهاب، والذي تمظهر أيضاً منذ سنوات من خلال القيام بعمليات انتحارية تفشّت في بلدان عربية عدّة وازدادت وتيرتها أخيراً في لبنان، كما حصل الاثنين 23/6/2014 في الطيونة ، ويوم الأربعاء في 25/6/2014 في الروشة. (تُرى، متى تقتنع طهران بضرورة التجاوب مع سياسة لبنان النأي بالنفس عن الأزمة السورية من خلال سحب مقاتلي «حزب الله» من سورية، درءاً لعمليات انتقامية انتحارية هي محل استهجان واستنكار؟). السؤال هو: ما الذي يدفع المرء للإلتحاق بالحركاتٍ الجماهيرية الدينية المتطرفة، سنيّة كانت أم شيعية «كالقاعدة» ، «داعش» أو «عصائب أهل الحق» و «أبو فضل العباس»؟ ما الدافع لكي يفجر المرء نفسه ويقتل أبرياء مدنيين أو يقتل بدافعٍ من تكليف شرعي؟! التفسير في اعتقادي أنّه إنسانٌ محبط لا يرى من حوله وحواليه أي ملمح إيجابي، فالعيب والسلبي هما السمة الغالبة للآخرين. المشكلات التي يعاني منها المحبط ناتجة بنظره عن الفساد الذي يطغى على الأفراد والجماعات المحيطة به. من هنا حرصه على التخلص من نفسه المحبطة عبر الالتحاق بجماعات تتعاطف معه يرأسها قائد ما، يجيد ويبرع في الجمع بين الفرد المحبط والتنظيم الشمولي المنظم الأمر الذي ينتج عنه التطرف! تغرس الحركات الجماهرية الدينية المذهبية في نفوس مؤيديها نزعةً تقبَلُ الموت والانغماس في العمل الجماعي بحيث تُطمسُ النزعة الفردية وتُلغى. يتبع ذلك، استبدال مفاهيم المحبة بالكراهية، وعدم التسامح، اضافة الى التطرف على كافة أشكاله! والحركات نفسها، مهما تباعدت مذهبياً وايديولوجياً، فإنّها تجذب العناصر الجدد من التركيبة البشرية نفسها. تلك العناصر التي يُخالجها الشعور بالعظمة والتعالي على الآخرين في الوقت الذي تُعاني من الإفلاس الفكري والمعنوي. ولا مبالغة في مقارنة أو مقاربة الحركات الدينية المتطرفة سنيّةً كانت أم شيعيّة بالفاشية أو النازية. فإذا كانت الفاشية (والنازية كذلك...) ارتكزت على غرس الاعتزاز المتواصل بالوطنية، فلقد عملت الحركات المتطرفة على الاعتزاز بالانتماء الديني المذهبي. وكما هي حال الفاشية، لم تألُ الحركات المتطرفة جهداً في السعي الدؤوب على العمل لزيادة الأعداء، شيطنة وتكفير الآخر، كرافد مركزي للتعاضد وتماسك التنظيم، علماً أنّ الإسلام الحقيقي المنفتح على الآخر، هو على نقيض صارخ مع الفكر الفاشي الشمولي القائم على التعصّب والانطواء. الإسلام الحقيقي، هو الإسلام المنفتح على تأويل النص القرآني بدلاً من التمسك بحرفيته، وبروايات غير مُسندة تُعزّز الانشقاق المذهبي. فعلى سبيل المثال، يُغرس في نفوس الانتحاريين، بناءً على التفسير الحرفي للآية 54 من سورة الدخان في القرآن الكريم (كذلك زوجناهم بحور عين) أن جميلاتٍ ينتظرن الانتحاري في الجنّة على أحرّ من الجمر. بينما يخلُص المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، في مقالٍ له «الشهادة والشهداء وحور العين». انّ الأمر لا يتعلّق بفتياتٍ من جسمٍ ولحم، كما في الدنيا، وانما ذلك مجاز وتمثيل بقصد الترغيب (ريتا فرج، «نساء الجنة: حور العين أم عنب أبيض؟!»، «السفير» 08/03/2014). يوهمون الانتحاري انّ حورياتٍ جميلات بانتظاره في الجنّة! في الوقت الذي يحضرني قول الكاتب الكبير بورخيس «وأنا الذي تخيلتُ دوماً الجنة في شكل مكتبة»!