على غرار الاهتمام الذي نالته قضية الأوروبيين المسلمين الذين يتوجهون للقتال في العراق وسورية، في الإعلام الإوروبي، بدأت صحف وبرامج تلفزيونية أوروبية أخيراً توجيه الانتباه إلى «جهاد» جديد تتم الدعوة إليه في القارة، هذه المرة لأوروبيين يهود قرروا أن يتركوا حياتهم المُستقرة في بلدانهم، والسفر إلى إسرائيل للمشاركة في حرب غزة المتواصلة هناك، في ظاهرة تشير إلى انفصال نفسيّ مُقلق لهؤلاء عن مجتمعاتهم، يُشبه ذلك الذي يعيشه بعض الأوروبيين المسلمين. لا تشبه «كاثي»، المولودة لأب إسرائيلي وأم هولندية وعاشت معظم حياتها في هولندا، الصورة المتعارف عليها للجهادي المُتجهم. هي في السابعة عشرة من عمرها، شقراء جميلة ببراءة كبيرة ووجه يشبه فتيات الإعلان لمنتجات سويسرية أو سويدية. كاثي تحولت في الأيام الأخيرة لوجه ظاهرة «الجهاديين الأوروبيين اليهود»، الإعلامي. فبعدما ظهرت في تقرير تلفزيوني في برنامج «اين فنداخ» التسجيلي الإخباري، والذي تعرضه القناة الحكومية الهولندية الأولى، تلقفتها برامج حوارية سياسية تلفزيونية، وأضحت موضوعاً ساخناً للنقاش على شبكة الإنترنت، والتي تركز على ثيمة الولاء لبلد الوالدين أو البلد الحالي، ونالت الفتاة النقد والشتائم على موقفها الداعم جيشاً يرتكب جرائم حرب ويقتل الأطفال، في حين شَدّد بعض على أهمية ما تقوم به وأثنوا عليه. لا شيء جديداً أو مهماً في حديث كاثي التي سافرت قبل أيام إلى إسرائيل لتكون قريبة من مواقع الأحداث ولتنتظر دورها في خدمة الجيش الإسرائيلي. فالفتاة المراهقة كات تعيد الخطاب الإسرائيلي الرسمي نفسه، والذي يرمي بكل المسؤولية على «حماس» ويتهمها بالقتل اليومي للأطفال في غزة، لأن مقاتليها يتسترون خلف هؤلاء الأطفال، على رغم أن بعض حوادث الحرب المتواصلة دحضت هذه المقولات. وحتى عندما واجه برنامج حواري هولندي قبل أيام، كاثي بصور مُرعبة في قسوتها من غزة، عجزت تلك الفتاة عن الإجابة، وعادت إلى الحجج الإسرائيلية الرسمية ذاتها. اختار كثر من اليهود الشباب الذين توجهوا في الأيام الأخيرة إلى إسرائيل، عدم الظهور الإعلامي، لكن قضيتهم أثارت الإعلام الفرنسي الذي خصص لها مساحة مهمة في الأسابيع القليلة الماضية. أرجع بعض المحللين هجرة يهود فرنسيين إلى إسرائيل في هذا الوقت، إلى تصاعد مشاعر معاداة الساميّة ضدهم في فرنسا. وأشارت تقارير صحافية إلى أن إسرائيل هي واحدة من الوجهات لهؤلاء الفرنسيين، فبعضهم اختار الولاياتالمتحدة أو كندا، أو دولاً أوروبية قريبة مثل هولندا وبلجيكا، خصوصاً أن هذه الأخيرة، ووفق هؤلاء، ما زالت بعيدة من أجواء العداء والكره الموجه لليهود. النقاش حول ظاهرة «الجهاديين اليهود»، أطلق النقاش مجدداً حول العداء للساميّة، فاستعادت برامج تلفزيونية ومقالات صحافية صوراً تظهر فرنسيين مسلمين يقلدون شارة النازية في تظاهرات ضد حرب غزة في فرنسا من الأسابيع الأخيرة. كما تناول تحقيق صحافي طويل نشرته صحيفة «NRC» الهولندية العريقة، كيف أن رموزاً من الحركة الإسلامية في أوروبا، ومن المشهورين بعدائهم لليهود، تحولوا إلى نجوم يُحتفى بهم في بعض الدول العربية. فيما تشعب النقاش على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فإلى جانب الشتائم والردود المُتشنجة، كانت هناك أخرى تتساءل، عن الأسباب والظروف التي جعلت المسلمين يتصدرون الصفوف الأولى لمعاداة الساميّة في العالم، بخاصة أن تاريخهم يحفل بنماذج عن علاقات طبيعية مع اليهود. كما أعرب بعض الهولنديين من المسلمين وغيرهم عن رفضهم الاشتراك في تظاهرات مناصرة لغزة، على رغم رغبتهم بذلك... فهم لا يريدون أن يسيروا تحت راية «داعش» وفي جَمْع يُشتم اليهود فيه بالمطلق (إشارة إلى تظاهرة نظمت في هولندا أخيراً، حمل بعض المشتركين فيها أعلام تنظيم «داعش» ورددت شعارات على غرار: «الموت لليهود»، و «اليهود إلى أفران الغاز»).