دمشق، بيروت - أ ف ب، أ ب - تبنى مجلس الأمن بالإجماع امس القرار 2043 الذي تطلب تنازلات غربية وروسية للتوصل إلى حل وسط لشروط وظروف نشر بعثة المراقبة الدولية في سورية «أنسميس»، لمراقبة وقف العنف المسلح وتطبيق خطة أنان ذات النقاط الست. وقضت التسوية بين مشروع القرار الروسي والغربي بإعطاء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سلطة تقويم الظروف الميدانية في سورية خصوصاً ما يتعلق منها بوقف العنف بكل أشكاله قبل نشر البعثة. وكانت نقطة الاختلاف الجوهرية بين مشروعي القرارين تمثلت في محاولة روسيا الدفع بنشر المراقبين سريعاً من دون الإشارة إلى إنجاز وقف العنف وسحب القوات السورية إلى الثكنات، فيما أصرت الدول الغربية في مشروعها على ضرورة تحقق شروط ميدانية قبل نشر البعثة، أهمها تطبيق الحكومة السورية تعهداتها لجهة وقف تحركات جنودها ووقف استخدام السلاح الثقيل وسحب قواتها إلى الثكنات، وهو ما سيتحقق منه بان كي مون قبل اتخاذ قرار نشر البعثة. وفي الوقت نفسه زار خمسة من المراقبين الدوليين مدينة حمص امس للمرة الأولى منذ وصول البعثة إلى سورية، وجالوا في الأحياء التي تعرضت للقصف واحتشد حولهم الأهالي متظاهرين ومطالبين بالتدخل العسكري لحمايتهم. وساد هدوء نسبي في حمص خلال زيارة المراقبين. وسارع بان عقب تبني القرار إلى دعوة «الحكومة السورية والأطراف الأخرى إلى إيجاد الظروف المناسبة لنشر البعثة». وشدد على «الحاجة إلى أن تنهي الحكومة السورية كل العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وأن توقف تحديداً استخدام السلاح الثقيل وتسحب قواتها وسلاحها الثقيل من المراكز السكنية». وقال إنه «يتوقع من الحكومة السورية أن تضمن بفعالية عمل البعثة بما فيه حرية الحركة الكاملة وغير المقيدة»، وأنه يتطلع إلى «التوصل إلى اتفاقية بين الأممالمتحدة والحكومة السورية حول قدرات النقل الجوي المناسبة». وتمكنت الدول الغربية من الإبقاء على تضمين بعثة «أنسميس» قدرات جوية لكنها خصصت لأغراض النقل لا المراقبة، على أن يتوصل الأمين العام إلى اتفاق في شأن القدرات الجوية مع الحكومة السورية. وأشار ديبلوماسيون إلى أهمية هذا الأمر لأنه «سيسمح بالانتشار والتحرك السريع والدينامي للمراقبين»، الذين نص القرار على «ضرورة ضمان الحكومة السورية حرية تحركهم الكامل وغير المعوق». وتنازلت الدول الغربية عن الفقرة التي تهدد بفرض عقوبات على الحكومة السورية تحت الفصل السابع في حال عدم الامتثال، واستعيض عنها بالنص على «دراسة خطوات إضافية وفق ما هو مناسب» بعد تقويم تطبيق القرار. لكن السفيرة الأميركية سوزان رايس هددت «بعدم الموافقة على تجديد ولاية البعثة بعد 90 يوماً في حال تواصل العنف» وأكدت على غرار نظرائها الفرنسي والبريطاني والألماني، أن «الصبر قد نفد» وأن على المجلس «فرض إجراءات صارمة في حال مواصلة النظام السوري عدم احترامه لمجلس الأمن ومواصلته ذبح شعبه». ودعا القرار «كل الأطراف بما فيها المعارضة إلى وقف كل أشكال العنف المسلح فوراً». كما دعا «المعارضة المسلحة والعناصر ذات الصلة إلى احترام مندرجات اتفاق التفاهم المبدئي» الموقع بين الأممالمتحدة والحكومة السورية. وطلب القرار من الأمين العام «تقديم تقرير فوري إلى مجلس الأمن حول أي إعاقة لأداة البعثة ولايتها بشكل فعال من أي طرف» وتقديم تقرير حول تطبيق القرار خلال 15 يوماً من تبنيه. وقالت رايس إن الولاياتالمتحدة صوتت لصالح القرار «لكننا على بينة من كل المخاطر آخذين في الاعتبار سجل الأسد الحافل بعدم احترام الوعود وحقوق الإنسان». وقالت إن «الولاياتالمتحدة تدعم تطبيق النقاط الست ولكن يجب أن نكون مستعدين لكل الخطوات إذا استمر نظام الأسد في ذبح الشعب السوري». وشدد السفير الروسي فيتالي تشوركين على ضرورة التقيد الكامل من أعضاء مجلس الأمن بالقرار 2043 معتبراً أن «أي انحراف في الابتعاد عن بنوده لن يكون مقبولاً والنموذج الليبي يجب أن يصبح من الماضي». ودعا تشوركين المعارضة السورية إلى «احترام خطة أنان ووقف العنف». وحض «الدول المؤثرة على المساهمة في تطبيق القرار الذي وجه رسالة مهمة وهي أن مجلس الأمن له صلاحية في دعم التسوية السياسية، أما مجموعة الأصدقاء (أصدقاء سورية) فعليهم احترام قرار مجلس الأمن وأن لا يعملوا على تقويضه». وشدد السفير المغربي محمد لوليشكي على ضرورة توافر الظروف المناسبة لنشر البعثة مشيراً إلى دعوة اللجنة الوزارية العربية المعنية بسورية مجلس الأمن إلى الإسراع في نشر المراقبين. وقال إن استمرار العنف «لا يزال يشكك بصدق التزام الطرفين التزاماتهما» ما جعل جامعة الدول العربية تنادي «بوقف العنف بشكل كامل». وقال إن «إنشاء البعثة من شأنه مراقبة وتعزيز وقف العنف بكل أشكاله ودعم تنفيذ خطة أنان». وقال السفير السوري بشار الجعفري إن حكومته كانت «منذ بدء الأزمة على أي مبادرة مع الحفاظ على سيادتها». وأضاف أن «ارسال مراقبين حياديين كان مطلباً سورياً بامتياز لوقوف الرأي العام الدولي على حقيقة الأمور بعيداً عن التضليل الإعلامي». وشدد على التزام «الأطراف الدولية وقف تمويل الأطراف المسلحة». ورحب «المجلس الوطني السوري» بقرار مجلس الأمن وقال جورج صبرا المتحدث باسم المجلس إن القرار «مطلب الشعب السوري والشباب الثائر الذي يتظاهر يومياً في شوارع البلاد». واعتبر وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه في بيان مساء امس «أن هذا القرار يمثل رسالة قوية إلى سورية. وإني سررت أننا تمكنا من العمل بشكل وثيق مع جميع أعضاء مجلس الأمن خصوصاً مع روسيا وتمكنا من الوصول إلى القرار 2043 الذي سيتيح انتشار مئات المراقبين على الأرض». وأكد أن عليهم أن يراقبوا «التزام النظام السوري الكامل بحرية التظاهرات التي تمثل واجباً تتضمنه خطة أنان». وتابع جوبيه «إنني أدرك المخاطر التي واجهتها الأسرة الدولية باتخاذ هذا القرار ولكن علينا واجب تجاه مأساة الشعب السوري أن نبذل كل ما في وسعنا من اجل إعطاء الفرصة للحل السلمي». وقال مصدر فرنسي رفيع ل «الحياة» إن موقف روسيا شهد تطوراً ملموساً إزاء سورية لأن روسيا تحركت في مجلس الأمن ولم تعد تقول إن الأزمة السورية شأن داخلي ولا حاجة لتدخل مجلس الأمن وهذا تقدم كبير. وأوضح المصدر أن نص القرار الذي تم التصويت عليه لم يكن فرنسياً بل تقدمت به روسيا وعدلته فرنسا وزادت فيه عناصر لم تكن موجودة شددت على ضرورة تنفيذ كامل لمهمة كوفي أنان. وقال المصدر إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون كانت تريد حسب ما قالته في اجتماع باريس أن يكون قرار مجلس الأمن أقوى وأن يتم التصويت عليه بعد انتشار القوة وتنفيذ خطة أنان كي لا تكون رهينة النظام السوري. وكانت مجموعة مؤلفة من خمسة مراقبين دوليين قامت بجولة في حمص امس للمرة الأولى منذ قدوم البعثة إلى سورية. علماً أن السلطات السورية اعترضت سابقاً على زيارة المراقبين إلى حمص التي باتت تعتبر «عاصمة الثورة» بحجة الوضع الأمني والحرص على سلامتهم. وشملت الجولة حي بابا عمرو، الذي سيطرت عليه القوات الحكومية مطلع آذار (مارس)، اضافة إلى أحياء الزهراء وفيروزة وزيدل. وبعد ذلك زارت البعثة حي جورة الشياح والقرابيص اللذين تعرضا لقصف عنيف في الأيام الماضية، وزارت بعثة المراقبين حي الخالدية حيث التقت مجموعة من سكان الحي وعدداً من قيادات «الجيش السوري الحر» وكان الأهالي يهتفون بنداءات تدعو إلى التدخل العسكري. كما ابلغوا المراقبين أن الوضع سيعود إلى ما كان عليه بعد مغادرتهم حمص. وكان الوضع هادئاً بشكل عام خلال زيارة المراقبين إلى المدينة، فيما نقل ناشطون أن الجيش النظامي قام بإخفاء دباباته ومدرعاته في ملاجئ ومبان رسمية خلال وجود المراقبين. وذكر الناشطون أن المراقبين ابلغوهم انهم سيبيتون الليل (امس) في احد فنادق حمص. إلى ذلك سمع امس دوي انفجار قوي في مطار المزة العسكري في دمشق، وأفاد ناشطون في العاصمة السورية بأن القوات النظامية عمدت بعد وقوع الانفجار إلى قطع الطريق المؤدي إلى دمشق من جانب مطار المزة في ظل استنفار امني واعتلاء القناصة اسطح المباني المجاورة. وشهدت دمشق في الأسابيع الماضية اشتباكات متفرقة بين القوات النظامية ومنشقين وقع معظمها ليلاً، قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 12 نيسان (أبريل) الماضي.