«مفلح» موظف حكومي، رجل بسيط، يعيش في بيئة بسيطة متواضعة، بعيدة من تعقيدات الحياة، لا يزال عازباً، وأخشى أن يستمر عازباً لوقت طويل! بدأ حياته العملية موظفاً على بند الأجور، بعد أن قام والده بطلب الشفاعة من أحد النافذين لتوظيف ابنه «مفلح»، وعلى ماذا؟ على بند الأجور فئة «ج»؟! كونه يحمل الثانوية العامة، إضافة إلى شهادة كومبيوتر، كل ذلك محاط بخبرة خمسة أعوام في بيع وشراء الأغنام لمصلحة والده، اكتسب على إثرها نوعاً من الخبرة في الأخذ والعطاء والمفاصلة ومخالطة كثير من الناس مختلفي الطباع والصفات. بعد مدة تجاوزت الأعوام الخمسة، ومفلح في وظيفته قانعاً بما يكسبه من دخل متواضع، كونه قريباً من أسرته، يعيش همومهم وأوجاعهم اليومية، وقتها كان القائد الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصدر أمره الكريم بترسيم وتثبيت جميع موظفي بند الأجور والمستخدمين في الدولة، ولا أعرف مصدر أو سر هذه التسمية «مستخدم»؟! وما هي إلا فترة ليست بالطويلة «عام ونصف العام» حتى تم تثبيت «مفلح» ونقله إلى مدينة الرياض على المرتبة الثانية، ذهب إلى مقر عمله الجديد، وتفاجأ بالاختلاف الكبير «ثقافياً ومكانياً واجتماعياً»، وطبيعة العملين هنا وهناك «الحياة هناك بسيطة متواضعة، والأشخاص كذلك»، أما هنا فالأمر مختلف، حتى نوع وصنف الغذاء مختلف نوعاً ما. «مفلح» لا يزال يلبس الثوب «الخاكي» الملون، ولم يدر بخلده بأن مدينة كبيرة كالرياض لها صفات ومناخات مختلفة، وبعيدة كل البعد من صفات ومناخ بلدته ومسقط رأسه! فالأشخاص هنا يلبسون الثوب الأبيض والبدلات وال«تي شيرتات»، معظم فترات العام، عكس ما كان سائداً هناك في بلدته. أخذ مفلح يبحث له عن مقر سكن مناسب يأويه قريباً من مقر عمله الواقع في وسط الرياض، «وتحديداً في المنطقة الواقعة بين فندقي اليمامة والبطحاء»، لم يجد مفلح سكناً ملائماً ومناسباً لوضعه المالي، بحث وبحث ولم يستطع العثور على سكن إلا بعيداً من مقر عمله في جنوبالمدينة، وتحديداً في المنطقة الواقعة خلف مستشفى العلي وشمال شارع المعارض، كون الإيجار هناك رخيصاً ومناسباً لقدرة أخينا «مفلح»، مرت أربع سنوات ومفلح يحاول التكيف مع الوضع العملي الجديد، ويحاول أن يستقر وأن يكمل نصف دينه، خصوصاً أن أهله يلحون عليه (يزنّون) بالزواج، ولكم أن تتخيلوا أحبتي ذلك المشوار الطويل والصعب الذي يقتضيه الأمر، عندما يقرر شخص ما أن يقترن بشريكة حياته، الأمر بالنسبة لمفلح محسوم مسبقاً، فقد تم تحديد الزوجة، وموعد الخطبة والملكة والزواج من والديه في ظل غيابه، أو حتى مشاركته، أو أخذ رأيه؟! وافق العريس على الزواج ومتطلباته وتوقيتاته «تأسياً بالموروث الثقافي المتبع في القرية»، وبقي أن يفكر في ما هو مقبل «المهر - السيارة - السكن - مكان عقد القران - المعازيم»، المهر يكلف «70 - 80 ألف ريال» في أحسن الأحوال، وقد يتجاوز «100 ألف في بعض الأحيان»... السيارة تحتاج إلى قرض أو سلفة، والسكن يحتاج إلى رصد مبلغ معين، بحسب مكان السكن واتجاهه ومساحته وعدد غرفه! السبب، كما تعرفون، يعود لأسعار العقار النارية، وصعوبة الحصول على أرض للبناء عليها، ناهيك عن امتلاك عمارة أو شقة بالتمليك، وهذا مرده «رهط من ملاك العقار»، والرهط «مجموعة أشخاص ما بين الثلاثة والتسعة»، يتحكمون في أسعار العقارات برفعها وقت ما يشاؤون عندما يريدون تحريكه، وإصابته بالخمول والركود وقت ما يشاؤون، أما نزول وخفض الأسعار فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنخفض! لأن إسهاماتهم الاجتماعية مفقودة وليس لهم دور إلا في استحلاب جيوب خلق الله، وجعلهم أسرى لشروط والتزامات البنوك المرهقة. لا يزال مفلح يحاول ويحاول، عله يُؤمِّن شيئاً من حاجاته الضرورية، وبعد تفكير طويل استقر به المطاف إلى حل وسط، هو طلب النقل إلى مقر عمله السابق، حتى لو كلفه ذلك الرجوع إلى الرتبة والمنصب السابقين نفسهما، عله يتمكن من إكمال نصف دينه، ويسكن مع أهله وعشيرته بعيداً من صخب المدينة ومتطلباتها الكثيرة وحاجاتها المكلفة، فهل من معين لأخينا مفلح بشفاعة «خير» تنقله إلى مقر عمله السابق على رتبته الحالية نفسها، أو شفاعة «غير» عند شبّيحة العقار علهم يرفقون بحال مفلح وأمثاله، وهم كثر، ويتكرمون بخفض سعر العقارات، أو التلطف بإنهاء معاناته من خلال التبرع له بقيمة عقار ما، في مكان ما، في مدينة الرياض، وأضمن لهم بأنه رجل قنوع بأي نوع من أنواع العقار، وبأي مساحة كانت، وفي أي جهة، حتى لو كان ذلك العقار مطلاً على البحر؟! نعم مطلاً على البحر، أقولها للمرة الثانية، حتى لا يقال بأنني مخطئ أو أهذى «مطلاً على البحر»! نقطة نظام: مفلح شخصية «خيالية مستعارة»، الهدف منها مناقشة قضية اجتماعية معينة، وليس المقصود أحداً بعينه، حتى لا تتشابه الأسماء مع أحد. إضاءة: لكل منا أهداف يحاول تحقيقها، ولكن إذا سبقت أهداف أحد منا عمره الزمني فأنصحه بأن يُعيد ترتيب أولوياته. [email protected]