بعيداً عمّا يقال عن الوضعية القانونية للمرأة في فرنسا، وعما يبدو أنها تتمتع به من حقوق، تتبدى لنا من حين لآخر المكانة التي تحتلها بالفعل، والنظرة الحقيقية التي ما زال يُنظر إليها بها حتى في بلد الثورة. ربما كانت الانتخابات الرئاسية فرصة لتبيّن شيئاً من ذلك. فبفعل ميل الحياة الثقافية والسياسية في فرنسا نحو الأمركة، غدا المزج بين الحياة الخاصة للرؤساء، وبين الشأن العام أمراً ساري المفعول. فمباشرة بعد تقلد كينيدي منصب رئاسة البيت الأبيض بداية الستينات، وظهوره المتكرر بصحبة عائلته، أخذ الرؤساء الفرنسيون لا يجدون حرجاً في إقحام حياتهم الخاصة في الحياة السياسية، وهكذا ظهر جيسكار ديستان بصحبة ابنته في ملصقه الانتخابي الشهير، وفيما بعد أخذنا نألف ظهور جاك شيراك برفقة ابنته، وبصحبة زوجته برناديت التي كانت تقول عن نفسها «إنها الخادمة الوضيعة للأمير». يردد المحللون أن الدور الذي أصبحت تلعبه زوجات المرشحين في الحياة السياسية الفرنسية لم يتخذ شكله القويّ إلا بعد مجيء أوباما إلى الحكم في الولاياتالمتحدة. فالزوج باراك وميشيل أوباما شكل في نظرهم لحظة فاصلة في ما يتعلق بتعيين الدور الذي أصبح منوطاً بزوجة الرئيس المرشح أو برفيقة دربه. وعلى رغم ذلك لا نستطيع أن نقول إن الفرنسيين تمكنوا من أن يتقنوا استنساخ النموذج الأميركي في هذا الشأن. فبينما تحتفظ الزوجة الأميركية عادة باستقلالها فتستمر في القيام بالوظيفة التي كانت تمارسها قبل أن يخوض زوجها غمار المعركة الانتخابية على غرار ما شاهدناه عند الزوج أوباما، أو حتى قبله عند آل كلينتون أو كينيدي، فإن السيدة الفرنسية تجد نفسها منذ الوهلة الأولى «في خدمة الأمير»، وسرعان ما تتخلى عن حياتها ومشاغلها الماضية، مثلما تفعل الآن فاليري ترييرفيلر رفيقة فرانسوا هولاند، أو تُولي ظهرها بالكامل لماضيها مثلما فعلت زوجة ساركوزي، وقد لا نستطيع أن نستثني في ذلك إلا الفيلسوفة أغاسانسكي زوجة جوسبان، التي ثابرت على نشر مؤلفاتها وممارسة أبحاثها الجامعية والحفاظ على اختياراتها الشخصية. ما يثير الانتباه أن المسألة لا تتم على النحو نفسه عندما تكون المرشحة امرأة، على غرار ما كانت عليه سيغولين رويال في الانتخابات الرئاسية السابقة حيث لم تظهر بصحبة زوجها هولاند، أو ما عليه الآن مرشحة اليمين المتطرف التي لا نكاد نراها مع شريك حياتها. وعلى رغم ذلك، قد تبدو لنا العبارة المأثورة عن السيدة شيراك شديدة القوة، إلا أنها لا تخلو من دلالة عميقة من حيث أنها تشير أوّلاً إلى استعداد زوجة المقبل على الرئاسة للتضحية بكل اهتمام شخصي، ثم من حيث هي تحدد الدور الذي يكون على زوجة الرئيس المرشح أن تقوم به، وأعني تأكيد الصورة التي يريد أن يرسخها عن نفسه، وإشعار المنتخِب أن المرشح يتمتع بحياة طبيعية وباستقرار عائلي، وأنه هو أيضاً له بيت يرعاه، وأنه قادر على بذل المحبة والحنان. مجمل القول إذاً، أن مهمة زوجة المرشح للرئاسة هي أن تؤازر زوجها وتساهم في صنع صورته، حتى وإن اقتضى منها الأمر أن تغدو هي ظلاً له، وأن تتحول إلى مجرد «خادمة وضيعة للأمير». * كاتب مغربي