تحدث المقال السابق عن عمل المرأة في حفظ الأمن الداخلي وتقسيماته، ويأتي هذا المقال مكملاً للآخر حول الحديث عن عمل المرأة في الجيش، ولا يمكن الحديث عن هذا العنصر من دون بيان حكم الجهاد على المرأة، وقراءة النصوص الواردة في ذلك. اتفق الفقهاء على أن النساء لسن من أهل القتال، ونقل ابن بطال الإجماع على عدم وجوب جهاد الكفاية على المرأة، ودلت النصوص على خروج المرأة لا للقتال وإنما لمداواة المرضى، وسقيا العطشى؛ وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يُفرغ الرجال لمهمة القتال التي لا يصلح لها إلا الذكور، ومن الأدلة على مشاركة المرأة في ما يشبه عمل الهلال الأحمر اليوم ما جاء في الصحيحين من حديث أنس أن عائشة بنت أبي بكر وأم سليم - رضي الله عنهما - كانتا تنقلان القرب في غزوة أحد وتفرغانه في أفواه القوم، وما أخرج البخاري من حديث الرُبيِّع بنت مُعوِّذ قالت: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نسقي، ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة. وبَوّب عليه: «باب مداوة النساء الجرحى في الغزو»، ودعا لأم حرام أن تكون مع الغزاة الذين يركبون البحر، وبوّب عليه البخاري باب: غزو المرأة في البحر، وأخرج سعيد بن منصور في سننه من حديث عبدالله بن قرط الأزدي قال: «غزوتُ الروم مع خالد بن الوليد، فرأيت نساء خالد بن الوليد، ونساء أصحابه مشمرات يحملن الماء للمهاجرين يرتجزن» وصحح إسناده الألباني. ومن مجموع الأدلة يتبين أن اشتراك النساء في القتال مع محارمهن كان معروفًا مألوفًا من الصحابة الكرام، ولم ينقل لنا إنكار له، فيكون ذلك إجماعًا سكوتيًا على جواز مشاركة النساء للرجال في الجهاد، لكن الفقهاء شرطوا لهذه المشاركة إذن وليها لها، ووجود المصلحة من خروجها، والأمن عليها من الفتن، وعدم ترتب مفاسد على خروجها، وإذنْ ولي أمر المسلمين لمشاركتها، كما نص على ذلك الكاساني ومحمد بن الحسن، وابن قدامة. فإن قيل: ألا يشرع لها القتال؟ المتتبع لمشاركة النساء الرجال في القتال يرى أن ذلك يقع منهن إذا كانت الدائرة على المسلمين، فخروجهن ابتداءً كان للسقي والإطعام والمداواة، ولكن إن طاول المسلمين هزيمة، أو كاد أن يتغلب عليهم عدو شرع للنساء القتال بما يتحملنه ويقدرن عليه، والأدلة على ذلك كثر منها: ما جاء في ترجمة أم عمارة نَسيبة بنت كعب وقتالها يوم أحد، وذكر الطبري في تاريخه أن النساء قاتلن يوم اليرموك. وأما الاستدلال بخروج أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قائدةَ جيش المعارضة؛ فلا ينسجم مع سياق النصوص ولا أقوال العلماء حولها، فخروج أم المؤمنين لم يكن حربًا ولا فسخ بيعة، وإنما كان للإصلاح بين الناس، وأيّدها في خروجها طلحة والزبير -رضوان الله عليهم- فاجتهدت في رأيها، ثم ندمتْ عليه -رضي الله عنها- يقول شيخ الإسلام: «وظنت عائشة أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرتْ خروجها تبكي حتى تبل خمارها». ومما تقدم يتبين أنه لا يجوز إلحاق المرأة بالجيش، لما تقرر من اتفاق الفقهاء على أن المرأة ليست من أهل القتال، فلا النصوص الشرعية ولا طبيعة المرأة النفسية ولا الجسدية تؤهلها لتكون من أهل القتال، بل الواقع يشهد بعدم ملاءمة هذا العمل للمرأة، بل إن انخفاض مشاركة النساء في الميادين العسكرية في الدول التي لا تفرق بين الجنسين دليل على منافاة هذا العمل للنساء فطرياً. أدام الله على بلادنا وجميع بلاد المسلمين الأمن والرجولة الحقة التي لا يمكن أن يحتمي رجالها بنسائها. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]