تختلف النظرة للعمل أو المهنة من مجتمع إلى آخر. فبعض الأعمال التي لا تكون محببة أو مقبولة اجتماعياً في مجتمع، قد تكون صاحبة القدح المعلى في مجتمع آخر. عن أفضل الأعمال وأسوأها صدر هذا الأسبوع تقرير «كارير كاست»، المتخصص في التوظيف وتقويم الأعمال لأفضل عشرة أعمال، وكذلك العشرة الأسوأ في العالم. ورتب التقرير الأعمال بحسب أفضليتها من الرقم واحد إلى 200. وإن كان التركيز والتعليقات تركزت على العشرة التي جاءت في المقدمة، والعشرة التي تذيلت القائمة. وبحسب التقرير، فإن أفضلية العمل أو المهنة تتحدد بخمسة معايير، هي: الجهد العضلي المبذول، الطلب على العمل أو المهنة، ظروف العمل وأجواؤه، الدخل الذي تحققه المهنة، وأخيراً التوتر والضغط النفسي المصاحب للعمل. وهذا يعني أن التقرير لم يأخذ الاحترام والقبول الاجتماعي للعمل، الذي يعتبر عندنا أحد محددات الطلب على العمل، على رغم أنه قد يكون أقل دخلاً من غيره من الأعمال أو المهن الحرفية. عموماً، تصدر ترتيب أفضل الأعمال، مهندس الحاسب الآلي، ثم الخبير الاكتواري، ثم متخصص الموارد البشرية، وطبيب الأسنان، ثم متخصص التخطيط المالي في المرتبة الخامسة. وجاء متخصص السمعيات سادساً، وسابعاً متخصص «العلاجات المهنية» Occupational Therapist، وثامناً مدير التسويق، وتاسعاً محلل النظم، تلاه عاشراً المتخصص في الرياضيات. وتراوحت دخول هذه الأعمال بين 70 ألف دولار سنوياً لخبير السمعيات، و 104 آلاف دولار سنوياً لمتخصص التخطيط المالي، وجاء ترتيبها بحسب المعايير الخمسة التي ذكرناها سابقاً، ولم يقتصر فقط على الدخل، وإلا لكان خبير التخطيط المالي في المرتبة الأولى. وفي ما يخص أسوأ عشرة أعمال، فقد جاء على رأس القائمة، الحطاب (المركز 200 في التقرير)، وتسببت ظروف العمل الصعبة، وتطلبها مجهوداً عضلياً كبيراً، وقلة دخلها الذي لا يتجاوز 32 ألف دولار سنوياً في تذيلها القائمة. وأجزم أن مهنة الحطاب ستكون الأسوأ عندنا أيضاً، فإضافة إلى العوامل التي ذكرها التقرير فقد تسبب «الحطابون» في تجريد صحارينا من غطائها النباتي القليل أصلاً، وهو ما يجعل العواصف الترابية تتكاثر عندنا وتدخل إلى المدن والقرى، لأنه لم تعد هناك أية «مصدات» لإيقافها نتيجة الاحتطاب الجائر. تبع الحطاب منتج الحليب في مزارع الألبان، وما قيل عن الحطاب من صعوبة بيئة العمل وتطلب المهنة جهداً عضلياً يقال هنا أيضاً، ولا يزيد دخله عن 33 ألف دولار سنوياً. وجاء جندي الجيش في المرتبة الثالثة في الأسوأ (198 في التقرير)، وهو ترتيب متوقع لصعوبة الظروف والجهد العضلي الكبير الذي يبذله الجندي، ولم يتجاوز دخل العمل 36 ألف دولار سنوياً. الرابع في الأسوأ، هو العامل في حفر آبار الزيت، ودخله أيضاً قليل، والظروف التي تصاحب عمله تتطلب جهداً عضلياً، ووقوفاً في الشمس والغبار لأوقات طويلة. الخامس، وربما هو مفاجأة التقرير، هو المراسل الصحافي، فظروف العمل والضغط والتوتر وقلة العائد المادي كلها متوافرة في هذه المهنة، وحقيقة لقد سعدت بالتقرير، ووجدت فيه فرصة للتشفي من بعض أصدقائي الإعلاميين. السادس، النادل في المطاعم والفنادق، والسابع قارئ العدادات في شركات الكهرباء والمياه، تلاهم غاسل الصحون في المطاعم والفنادق، ثم الجزار، ومرة أخرى هناك مفاجأة، وهي أن المذيع جاء في القائمة كأفضل العشر مهن الأسوأ (191 بحسب التقرير). واختم بأن التقرير استطلع آراء مجتمع غير مجتمعنا، وبالتالي فإن التصنيف ربما لا ينطبق مباشرة على الأعمال والمهن عندنا، إلا أنه يعطي انطباعاً أولياً عن ظروف العمل ودخله والبيئة التي ينجز فيها، وهي ظروف متشابهة حيثما يممت. ووفق التقرير جاء سمسار الأسهم بالمرتبة ال77، ورجل الدين بالمرتبة ال93، والمؤلف بالمرتبة ال113، ومدير ورئيس التحرير في المرتبة ال119، وهو ما يزيدني تشفياً في الزميلين جميل الذيابي وأحمد الفهيد، ومعهما صديقنا المشترك طلال آل الشيخ! * اقتصادي سعودي - بريطانيا www.rubbian.com