اعتبر الشاعر الدكتور عبدالله الرشيد أن وضع بعض المؤلفين عبارات الثناء عليهم في أغلفة كتبهم أو في مقدماتها «ضرب من الاستخذاء والاستجداء، أو مظهر من مظاهر ضعف الثقة بالنفس»، مشيراً إلى أن المتربصين باللغة يبذلون كل ما يستطيعون لإفسادها وتهوين شأنها والحط من قيمتها في نفوس الأطفال. ووصف الرشيد في حوار مع «الحياة» تجربة مجمع اللغة الافتراضي على «تويتر» ب«الشجاعة». وقال إن معظم ما قرأه من انتقادات للمجمع لا يخرج عن كونه هواجس وظنوناً.. إلى نص الحوار: هوجمت من بعض النقاد وممن ينشطون في الوسط الأدبي، فكان ردك أن كتبت هجومهم على غلاف ديوانك من الخلف، هل هذا يعني أن هجومهم كان لأسباب شخصية؟ أم هي رسالة بأن هجومهم لا يعني لك شيئاً؟ - اخترتُ نماذج مما قيل في ذم شعري، لأقول بها أشياء عدة، منها أنني موقن بأن النقد متاح لمن يتلقى شعري مهما يكن موقفه منه. ومنها أنني رحب الصدر لكل انتقاص أو ذمّ أو حطّ من شأنه. ومنها أن أضع الشعر والنقد بين يدي متلقّ ثالث ليوازن بين الشعر وما قيل فيه. ثم إنني أرى أن مسارعة بعض المؤلفين لتقييد الثناء عليهم في أغلفة كتبهم أو في مقدماتها ضرب من الاستخذاء والاستجداء، أو مظهر من مظاهر ضعف الثقة بالنفس؛ فكان في عملي ردٌّ فعل عفوي على هذه الطريقة الشائعة التي تسيء إلى المؤلف ولا تحسن. من لا يعرفك عن قرب يظنك متصلباً في آرائك، لكن طلابك أشد ما يحبون فيك قبول آرائهم، على رغم الفرق الشاسع بينكم، ما قولك في ما أصبح مشهوراً به الأستاذ الجامعي من تصلب في رأيه، وعدم قبول مخالفته؟ - أعزّ ما يملكه الأستاذ الجامعي هو سعة الأفق، واليقين المطلق بأن زيادة العلم تكشف مزيداً من الجهل القابع في النفس، فيجعله ذلك رحب الصدر للانتقاد ولتعدد الآراء وتخالفها، فيصل به الأمر إلى اللين في تلقي العلم وبذله، عارفاً أنه لم يؤت من العلم إلا قليلاً. فإذا فقد الأستاذ الجامعي تلك الصفات فليس خليقاً بالموضع الذي هو فيه. وما تشير إليه من ضيق بعض الجامعيين بالنقد واعتدادهم الزائد على الحدّ بآرائهم وضيقهم بالمخالف، يعني في ما يعني أننا لم نزل نعيش في جوّ غير علمي في جامعاتنا. موضوعان ربما تفردت بالحديث عنهما في المجتمع، الأدبي السعودي: الأدب والطب، واللغة العربية في فضائيات الأطفال، حدثنا أولاً عن الأدب والطب؟ - خلاصة رأيي في هذا مبسوطة في كتابي الموجز «الطب والأدب علائق التاريخ والفن»، غير أنني أقول هنا إن الأدب حبَّه والتعلق به وإنشاءه أمر متصل بالروح والشعور، فهو أسبق من الطب الذي هو مهنة وعمل يكتسب ويمارس. وبين الطب والأدب علائق قديمة لغوياً وتاريخياً وأدبياً. أما اللغة العربية في فضائيات الأطفال فوضعها حرج جداً، والمتربصون باللغة في تلك الوسائل يبذلون ويجتهدون بكل ما يستطيعون لإفساد اللغة وتهوين شأنها والحط من قيمتها في نفوس الأطفال. اللغة العربية في فضائيات الأطفال موضوع مهم يتعلق بالأسرة العربية مباشرة، وعلى رغم الأثر الواضح للقنوات التي تتحدث الفصحى في لغة الطفل فإنه لم يلق اهتماماً من أهل اللغة، هل هناك خطوات عملية من المهتمين باللغة تتعدى مجرد الدراسات؟ وهل يمكن أن نتمثل تجربة عبدالله الدنان في روضات الأطفال؟ - مسألة اللغة ومشكلاتها وواقعها متشعبة، وأهم ما يشغل البال فيها هو تفرّق دمها بين قبائل المسؤولية في البلاد العربية، وغفلة الجهات العليا عن أهميتها، واتصالها بالهوية والفكر، وتفريط الجهات الدنيا في العمل بالنظم واللوائح التي سطرت في القوانين والدساتير. ما لم تكن اللغة قابعة في الوعي الجمعي وما لم تتخذ شعاراً وواقعاً عملياً فسنبقى نشكو من واقعها المتردي. وما أشرت إليه من التجارب الناجحة ينبغي أن يعمم ويفاد منها، من الجهات الرسمية والشعبية. عرفت باهتمامك بتصحيح الأخطاء الشائعة في اللغة، ورفضت أسلوب «قل ولا تقل» وكنت ليناً في تصحيح الأخطاء، في المقابل هناك من يضيّق واسعاً في اللغة، ويخطّئ ما يقبل الصحة، ألا ترى أن لهؤلاء دوراً في نشر الأخطاء مثل دور المتساهلين؟ - اللغة بحر وفيها من المرونة والحيوية والاستجابة للمتغيرات ما يغفل عنه كثير من المتصدين للتصحيح اللغوي، وعلى أنهم ذوو نيات حسنة ينبغي تذكيرهم بالفرق بين الفساد والتطور، فالفساد هو الذي ينبغي أن يحارب، كالعامية والاختلال الأسلوبي والخلط بين العربي وغيره. أما التطور فهو أمر حيوي، إذ اللغة تتطور بالمجاز والتوليد والاشتقاق والنحت والتعريب ونحو ذلك. وثمة أمر آخر يجب أن نتنبه إليه، وهو أن التصحيح اللغوي طبقات، فما نصححه للعالم والباحث غير ما نصححه للكاتب الصحافي أو للتلميذ، والخلط بين هذه الطبقات مخالف لفقه التصحيح اللغوي. المنادون بالاهتمام بتصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة كثر، لكن الأخطاء لم تتوقف عند المثقفين والمهتمين باللغة، بل تعدت إلى الجامعات ووزارة التربية والتعليم، ما سبب وصول عدم الاهتمام باللغة إلى الجانب الرسمي؟ ألا توجد مبادرات للتصدي للزحف المستشري للضعف اللغوي؟ - المبادرات كثيرة، والمخاطبات في هذا الشأن أكثر، ولكن المشكلة أن الجهات العليا تصدر القرارات ولا تتابعها، أو تغفل عن إيلاء اللغة الاهتمام الواجب. وقد يكون عند بعضها متابعة واهتمام، ولكن يبقى بعض المنفذين الصغار قليل الوعي غير مهتم إلا بالحفاظ على وظيفته، فهو أشبه بالآلة الصمّاء. من النقاد والدارسين من هاجم المناهج الأوروبية الحديثة، ومنهم من قبلها حكماً على أدبنا من دون تمييز، بل إن بعضهم يقول إن من يهاجمها لم يستطع أن يفهمها فهاجمها، أين تقف من هذه المناهج؟ - أفتح صدري لكل منهج في دراسة الأدب، والأيام كفيلة بتمحيصه وبيان قيمته. مع إفادتي مما قيل في نقده وتعقّب أخطائه مفهوماً أو إجراء. ما رأيك في تجربة مجمع اللغة الافتراضي على «تويتر»؟ وما رأيك في نقل تجربة العمل فيه وأخذ المشورة من المتخصصين إلى الشعبية وعامة الناس؟ - هي تجربة شجاعة، والقائمون عليها من أهل العلم، ولا شك في أن لبعض المعتنين بالعربية مؤاخذات عليها وعلى المسؤول عنها الدكتور عبدالرزاق الصاعدي، ولكن أغلب ما قرأته لهم لا يخرج عن كونه هواجس وظنوناً، والذي أراه أن زمن الإعلام المفتوح يستوعب كثيراً من التجارب والاجتهادات، وهي اجتهادات لا تسيء إلى اللغة بل تزيدها حيوية، وتجعلها تساير ما يجدّ من حاجات. أما أخذ المشورة من عامة الناس فهو غير صحيح، فالمجمع - على ما رأيت - يسمع من الناس ويفيد من لهجاتهم العريقة في البحث عن فوائت المعاجم الظنية والقطعية، أما الاستشارة فهي تؤخذ من المختصين. امتلاء الشبكات الاجتماعية بالدعاء لك، وتأثر زملائك بمرضك، مثلما نقل خالد الرفاعي في مقالة له قول الدكتور خالد الجديع: «مرض الصديق عبدالله الرشيد طرحني أرضاً»، وكلمات الدكتور محمد القسومي، وحديث الشيخ سلمان العودة عنك، ماذا يمثل كل ذلك لك؟ - بعض المشاعر يعجز الكلام عن نقلها، وما ذكرتَه عن أولئك الفضلاء أشعرني بأن لي أكثر من روح ترفرف خارج جسدي.