دعا المشاركون في جلسات اليوم الأول لمؤتمر «اللغة العربية ومواكبة العصر» الذي تنظمه الجامعة الإسلامية ويختتم اليوم الأربعاء، إلى التصالح مع اللهجات العامية لوجود أصل لها في الفصحى، وإمكانية النهوض بها لترقى إلى مستوى تمثيل الهوية اللغوية، كما طالب الباحثون بضرورة وجود قرار سياسي سيادي للإلزام بتعريب العلوم والتعليم بالعربية. وكذلك طالب المشاركون بضرورة الاقتراب من الشباب وتقريبهم إلى لغتهم وتفهّم توجهاتهم اللغوية ومعالجة ضعف انتمائهم إلى لغتهم الأم بترسيخ هويتهم اللغوية. دور أقسام اللغة العربية جاءت الجلسة الأولى للمؤتمر حول المحور الأول بعنوان «دور أقسام اللغة العربية في الجامعات في النهوض بالعربية وآدابها» وأدارها الدكتور إبراهيم أبو عباة رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني. وطرح الباحث الدكتور عبدالرزاق جعنيد (من كلية الآداب بجامعة شعيب الدكالي بالمغرب) ورقة بعنوان «في تعريب العلوم- إشكاليَّة تعريب المصطلح العلمي»، قدم خلالها تصورًا نظريًّا لصناعة المعجم المختص من خلال تحديد مجموعة من الأسس والقواعد المنهجية التي ينبغي الالتزام بها، مع ذكر نموذج تطبيقي لذلك، هو مصطلحات الفيزياء لتلاميذ الباكالوريا بهدف تقريب المفاهيم العلمية المرتبطة بهذا المجال باللغتين العربية والفرنسية، وذلك من خلال عينة شملت ما يناهز عشرين مصطلحًا باللغة العربية مع مقابلاتها باللغة الفرنسية مفسرة ومشروحة باللغتين معًا. كما قدم الباحث الدكتور هارون المهدي ميغا (من كلية الآداب بجامعة بماكو الوطنية بجمهورية مالي) بحثاً بعنوان «تحديات تواجه اللغة العربية في التعليم العالي بغرب إفريقيا»، خلص من خلاله إلى وجود تحدِّيات خاصة أو مباشرة تشمل: التحدِّي العلمي، المتمثل في التقليل من شأن اللغة العربية والتنفير من تعلُّمها بأساليب متعددة في أوساط كثير من المثقفين ورجال التعليم العالي بغرب أفريقيا من المتأثرين بمواقف المستشرقين المتشددين، ومن المُتغربين، وتشويه تاريخ اللغة العربية وحضورها القوي في المنطقة، ومحاولات عَلْمَنَة اللغة العربية؛ بتجريدها عن الإسلام من جانب بعض «المأجورين»، إضافة إلى قلة نشر البحوث العربية واعتماد اللغات الأجنبية في التعليم، كما ذكر أن اللغة العربية تواجه تحديًا ثقافيًا يتمثل في عدم تقبّل المثقفين المهتمين بالعربية في أوساط الثقافة هناك، وانعدام التوأمة بين أقسام اللغة العرية في جامعات غرب أفريقيا ونظيراتها العربية، وندرة وسائل الإعلام الناطقة بالعربية. أما التحدي الاجتماعي فذكر أنه يظهر في حصر نطاق استعمال العربية في فصول الدراسة والنظرة المادية والدونية للمتخرجين في التعليم العربي من قبل أفراد المجتمع، وعدم المشاركة السياسية من قبل هؤلاء الخريجين، كما أن التحدي الإداري يتمثل في عدم التخطيط لتطوير العربية في الجامعات الأفريقية. وقدم الدكتور عبدالعزيز بن سالم الصاعدي (من كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية) بحثاً عن «تكامل المنهج اللغوي وجودة بيئة التعليم»، طرح خلاله مجموعة من التساؤلات عن دراسة اللغة وهل هي وسيلة أم غاية، وكيف تدرك اللغة، وكيف يتم تعليم اللغة ونقلها، وهل نحن بحاجة إلى إيجاد هيكلة للمناهج اللغوية لنواكب بها العصر؟ وقد اقترح الباحث في نهاية تساؤلاته إقرار مادة دراسية تحت مسمى التكامل اللغوي يكون دورها الربط اللغوي بين بقية المواد والمناهج اللغوية، تبين علاقاتها ببعضها وترسخها في وجدان وفكر الدارس والمتلقي، واستكمالاً لهذا المقترح فقد وضع الباحث سبع أسس لهذه المادة. كما أشار الصاعدي إلى أن المستوى الحضاري للناطقين باللغة يحدد اتساع رقعتها، وإلى أن أول ضعف يظهر في الأمم والمجتمعات يظهر في لغتها وتخليها عنها، فالمجتمعات الأقوى حضاريًّا تهتم بلغاتها ومناهج دراستها وفعاليتها مما يؤكد أن اللغة هوية وليست تواصلاً فحسب. وقد ضرب الباحث المثل باللغة العربية في ماضيها وحاضرها وانتهى إلى القول: إن البيئة هي الإطار الثاني المسؤول عن كفايات أستاذ اللغة ليواكب بها عصره. ثم حدَّد الباحث مفهوم البيئة اللغوية، والعلاقة بين البيئة والفرد وكيف نصنع البيئة والفرد الذي نريده داخل البيئة. وتساءل الباحث عن دور الأستاذ الجامعي اللغوي في مواكبة العصر باللغة وعن الأهلية اللازمة لذلك والآليات اللازمة لتحقيق الكفاية في المتلقين، كما طرح مجموعة أخرى من التساؤلات ذات الصلة. وفي إجابته على بعض هذه التساؤلات أشار إلى رؤيته في نقد وتقويم آليات الأستاذ القائمة وفي البناء المعرفي للأستاذ الجامعي لكي يواكب العصر، وفي هذا الشأن نقد الباحث أمرين لهما صلة بالموضوع، هما: تكرار واستنساخ المنتج المعرفي، وفي هذا الشأن دعا الباحث إلى شمولية المنهج والدرس اللغوي. والآخر: الضعف العلمي في التخصص في الدراسات والرسائل العلمية وخططها ومناهجها. وقدم الباحث الدكتور فريد عوض حيدر (أستاذ علم اللغة بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم) بحثاً بعنوان: «معوّقات تعريب العلوم التطبيقيَّة في الجامعات المصرية» تناول خلاله معوقات تعريب العلوم التطبيقية في الجامعات المصرية على المستويين النظري والميداني المستخلص من مؤشرات استطلاع رأي لدى عينة من أعضاء هيئة التدريس والطلاب، مشيرًا إلى تنوع المعوقات على المستوى النظري ومنها: مقاومة الأكاديميين من أعضاء هيئة التدريس لحركة التعريب، ومعوقات متعلقة بالمصطلح والترجمة، وغياب الوعي بأهمية تقديم العلوم باللغة العربية، ونقص التنسيق بين جهود التعريب، مرجعاً كلا من هذه المعوقات إلى أسبابه التاريخية والعملية. وأما معوقات المستوى الميداني، فقد كشفت الدراسة عن: ميل أعضاء هيئة التدريس إلى اللغة الإنجليزية وتشبثهم بها، واتجاه الجامعات وانحيازها للغة الإنجليزية، وإقصائها العربية عن ميدان العلوم التطبيقية، وعدم تمكن الأعضاء من اللغة العربية، وضعف قناعة الأستاذ باللغة العربية لغةً للعلوم التطبيقية. وأما بالنسبة للطلاب فكشفت الدراسة عن ميلهم إلى اللغة الإنجليزية تأثرًا بأساتذتهم، أو لضعف مستوى وعيهم بلغتهم الأم. ورسم الباحث سبل إعادة اللغة العربية إلى ميدان العلوم التطبيقية. وفي تعقيب الباحث على حجج الرافضين للتعريب، أشار إلى أن دراسة التاريخ العلمي للعربية في القديم والحديث، حجة على كل رافض، كما قدم عددًا من المقترحات، أهمها ألا يُبدأ بتعليم اللغات الأجنبية إلا مع بداية مرحلة التعليم المتوسط (الإعدادية)، وأن يتخذ قرار سيادي بتعليم جميع العلوم التطبيقية بالعربية أسوة بتجارب ناجحة كتجربة فيتنام. وشارك الدكتور كريم حسين الخالدي (رئيس جمعية اللسانيين العراقيين) ببحث بعنوان: «نحو تضييق روافد العاميَّة في التعليم والتخاطب» أكد خلاله على ضرورة تضييق الفجوة بين الفصيحة والعامية، مشيرًا إلى المخاطر التي تحيط بلغة القرآن الكريم وتهدد مكانتها وسلامتها، ودعا إلى البحث عن الحلول التي تمكن فيها لغة القرآن الكريم من أن تكون لغة النطق والكتابة في الوطن العربي، مشيرًا في ذلك إلى بعض قرارات الجامعة العربية وبعض القوانين التي صدرت في عدد من الدول العربية تحقيقاً لهذا الهدف. وفي بحث للدكتور كمال سعد أبو المعاطي من كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز بعنوان «التعريب الشامل سبيل الإبداع والنهضة»، أبرز الباحث بعض مظاهر إقصاء العربية على المستوى الاجتماعي، مثل التحدث باللغات الأجنبية كميزة ومعيار للثقافة عند بعض أبناء الأمة العربية الذين أصبحوا يخلطون كلامهم العربي بألفاظ دخيلة وتعبيرات أجنبية، وإحلال اللهجات العامية محل الفصيحة في كثير من البلدان العربية، واشتراط إتقان اللغة الأجنبية كشرط للتعيين في كثير من الوظائف، مرجعاً أسباب هذه التحديات التي تواجهها العربية في بلدانها إلى جملة من الأسباب، منها الشعور المبالغ فيه بأهمية اللغات الأجنبية ، نتيجة الانبهار بكل أجنبي والظن بأن التقدم لن يأتي إلا عن طريق تلك اللغات، والظن بأن اللغة العربية لا تتسع للمصطلحات والمفاهيم العلمية الجديدة. وانتهى الباحث إلى أن التعريب الشامل الذي يتعدى في مفهومه ودلالته التعريب اللغوي هو الآلية القادرة على فرض سيادة اللغة العربية على وطنها في كافة قطاعات التعليم والإعلام والثقافة، وطالب بأن تدعم هذا التعريب إرادة سياسية من صاحب القرار السياسي وإرادة جماهيرية من أبناء الوطن، ودعا إلى ضرورة توفر الإرادة السياسية لفرض سياسة التعريب وإنشاء مجلس قومي للترجمة ونقل العلوم على مستوى الوطن العربي. ودعا الدكتور محمود عمار إلى التصالح مع العامية لأنها ذات أصل عربي ولها اتفاق مع الفصحى في كثير من وجوهها ويمكننا النهوض بها للنهوض بالعربية، مشددًا على ضرورة التوسعة على المتحدثين حين يوافق اللفظ وجهًا صحيحًا وحينئذٍ لن يخطئ أحد. باحثة: ضعف انتماء الشباب في عصر الإعلام الجديد إلى لغتهم الأم ألجأتهم إلى «العربيزي» طرحت الباحثة الدكتورة وسمية عبدالمحسن المنصور (من جامعة الملك سعود) ورقةً بعنوان «من استعمالات اللغة المحدثة (العربيزي)»، أشارت فيه إلى سرعة انتشار لغة «العربيزي» وهي عبارة عن لغة يلوكها الشباب العربي تتداخل فيها المفردة الأجنبية في نسيج بنية اللغة العربية، مع كثرة الأخطاء الكتابية والإملائية والنحوية فيها، وتساءلت: هل هي تطوير أم تشويه لغوي؟ جازمةً بالقول بأنها من التشويه اللغوي، وأرجعت عوامل هذا التشويه إلى ضعف انتماء دعاة «العربيزي» إلى اللغة الأم وتغير ولاءاتهم، وسيطرة عقدة المغلوب. وأبرزت أن مفاهيم «العربيزي» مزاوجة الأبجدية المكتوبة بالرقمنة، والاختزالات «العربيزية» في لغة الشباب المكتوبة على الشبكة العنكبوتية، وكتابة العربية بالخط اللاتيني، وانتشار القصائد الشعرية العربيزي، تعريب المعاني العربية باللفظ الأعجمي. وحددت الباحثة الدكتورة وسمية عبدالمحسن المنصور أبرز ثلاثة مسببات ساعدت على استقرار «لعربيزي» وهي: تقنية الحواسيب، وهيمنة اللغة الإنجليزية على جوانب الحياة في المجتمعات العربية، وتطوير المناهج التعليمية والتربوية وحقيقة تأثيرها في الفكر المجتمعي كأسلوب حياة. وأوصت الباحثة بجملة من التوصيات المهمة من أبرزها ضرورة الاقتراب من اهتمامات الشباب وعدم التهوين من توجهاتهم ومشاركتهم الشعور بالمسؤولية تجاه أمتهم وهويتهم وانتمائهم.