برؤية غير الخبير أو المتخصص.. ما حدث ويحدث في بعض الدول العربية مخاض سياسي، انفجار الكبت في وجه الاستبداد، أو وجه الاستغفال، وفي حالة وحيدة ربما في وجه «الاستهبال» الذي مارسته بعض القيادات في بعض الدول. يعتقد البعض أن ثروات الخليج تمنع ثوراته، وهذا ليس صحيحاً بالكلية، لأن الخليج أيضاً، وفي غالبه الأعم يعيش مخاضاته الخاصة، وبعض بلدانه يعيشها قبل تفتح أزهار الربيع العربي، وهي مخاضات تكاد تنحصر في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، وهما جانبان يؤديان إلى السياسة، لكن السياسة هنا نجحت في جعلهما محور التغيير لأنهما سيعمقان العلاقة الوثيقة بين الحاكم والناس. ربما أيضاً يمكن القول إن غالب قيادات الخليج هي سليلة حكام منذ مئات السنين، وهي إما وحّدت بلدانها، وإما ساعدتها في الاتحاد، وإما كان لها الفضل في الحصول على الاستقلال، وربما نلحظ أن معظم ذلك يتم غالباً سُلمّاً لنيل المقاصد وعمق معرفة الناس بهم. بدأ الإصلاح منذ سنوات هنا وفي بعض دول الجوار، هاجسه حلحلة مفاصل الفساد التي تراكمت، وتغيير نمطية التفكير التنموي، وكسر بعض أنواع العزلة التي فرضت مع الزمن على أنماط معينة من التفكير، وإتاحة مزيد من حرية اختيار طريقة العيش فكرياً واجتماعياً. إدراك قضايا البطالة، والاقتصاد الخفي، والتستر، وضعف وتيرة نمو مصادر الدخل غير النفطي، ومساواة الجميع في الحقوق الاستثمارية والاقتصادية إن صحت التسمية، وإعادة هيكلة بعض القطاعات، وتخصيص بعضها، كلها مخاضات اقتصادية أتت من صاحب القرار وتنفذ وإن كان بعضها بطيئاً. على الجانب الاجتماعي، لا تزال قيادات الخليج تترك مساحات للمجتمع ليقرر بعض قضاياه، لكنها فتحت الباب أمام احترام حرية طريقة التفكير والتعاطي الإعلامي والحواري مع بعض هذه القضايا، ثم نادت بحمايتها، وهي بدأت عملياً على أرض الواقع بتأكيد الحماية بسلطة النظام والقانون ليتحقق التنوع الذي يثري المجتمع أكثر ممّا يعتقد البعض أنه يغير ملامحه، فالملامح الأصيلة لا تتغير، ولن يرضى الناس قبل من يحكمهم بتغييرها. إن كسر بعض القيود التي كان فرضها خطأ اجتماعياً أمرٌ صحي، والبدء في مأسسة المجتمع، وتقوية علاقته الحوارية بأقرانه وأضداده بل وحتى بحكامه سيكمل صورة جميلة من الاستقرار السياسي المتكئ على قبول وحب، والقوة الاقتصادية المرتكزة على الإنتاج وليس على الثروة الناضبة، والنسيج الاجتماعي المتناغم فكرياً، سيحيل المواطن إلى البدء في مخاض جديد أتمنى أن يكون إبداعاً علمياً وثقافياً يكمل صورة القوة التي ننشد. هذه المجتمعات الشابة ديموغرافياً لها حكمة الشيوخ وعنفوان الطفولة، وكل يوم تثبت بولائها أن تصحيح الأخطاء وتطوير المتخلف وتحريك الثابت على غير وجه حق يجد لديها الصدى الأجمل، فلنتمنَّ دوماً أن يكون القادم أجمل. [email protected] @mohamdalyami