على مدخل أكبر مطمر للنفايات في طرابلس، يقف مصطفى السيباني شاهراً السلاح للحؤول دون رمي الشاحنات النفايات في المطمر. وطوال اربعة اشهر، امتثلت الشاحنات لأوامره، فملأت النفايات شوارع العاصمة الليبية. السيباني هو واحد من آلاف الثوار المسلحين الذين شاركوا في إطاحة الديكتاتور معمر القذافي العام الماضي. وهو اليوم واحد من المقيمين قرب مطمر النفايات الذين يرفضون رمي نفايات طرابلس في جوار مكان سكنهم. وفي ليبيا ما بعد الثورة، يُلجأ الى السلاح لحل ما يسمى نزاعات «ليس في حديقتي الخلفية». ولا يلتزم احدى اشارات السير في طرابلس. فعلى سبيل المثل، تولى شباب مسلحون ببنادق «آ كي – 47» تنظيم السير في ساحة الشهداء في طرابلس، في وقت جلس شرطيان في مقهى مجاور من غير ان يحركا ساكناً. وتخلص ليبيا الى عبرة كئيبة ومريرة: الوحدة لا تبرعم وتزهر في منطقة احتكرت فيها قلة السلطات طوال عقود، وطمست الخلافات الثقافية والدينية والعرقية العميقة. وبعد 5 أشهر على مقتل الرجل الذي وحّد أوصال البلاد من طريق العنف والقوة المنفلتة من عقال، بدأ الناس يتساءلون عما إذا كان ثمة سبيل آخر للحفاظ على وحدة ليبيا. ولوّح مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، باللجوء الى القوة للدفاع عن وحدة ليبيا رداً على مناداة بنغازي بالعودة الى النظام الفيديرالي الليبي الموروث من الخمسينات من القرن العشرين. فمشاعر النقمة تعسّ في بنغازي. وطوال 4 عقود، أهملت المدينة، وحرمت من مشاريع تعبيد الطرق والمنح. وأودت الاشتباكات بين قبائل متنافسة في الواحة المدينية سبها، بحياة 147 شخصاً. وبلغت الفوضى في ليبيا مبلغاً يسوّغ اللجوء الى السلاح في خلاف على رمي نفايات. أغلق مطمر النفايات في كانون الاول (ديسمبر) الماضي، فدرج سكان طرابلس على رمي اكياس النفايات في اراضي القصر السابق للقذافي. وثمة ملايين أطنان النفايات مكدسة في شوارع المدينة. وطرابلس على قاب قوسين من ازمة بيئية خانقة. ويشكو مسؤولون من عدم إمهالهم الوقت لمعالجة المشكلات. والميليشيات المتنافسة تتنازع على السلطة والنفوذ في العاصمة. وفي بلدة الطوارقة، طرد مسلحون من مدينة مجاورة السكان كلهم، وهم ليبيون سود البشرة. ويلوح شبح الانقسام في البلد إثر مطالبة المناطق الشرقية، وهي غنية بالنفط، بحكم ذاتي مستقل عن الحكومة المركزية. فليبيا انتقلت بين ليلة وضحاها من الديكتاتورية الى الحرية «المطلقة»، كما يقول مسؤول في مجلس طرابلس المحلي. وعلى خلاف حسني مبارك، لم يخلف القذافي وراءه وزارات أو موظفين مدنيين أو قوانين وقواعد. ف «ليبيا كانت مزرعة، والمُزارع مات»، يقول استاذ علوم الكومبيوتر والمدوّن والمعلّق الذائع الصيت، المبروك سلطان. المتظاهرون يجوبون شوارع ليبيا يومياً، ويطالبون بالخدمات ويتهمون المجلس التنفيذي بالفساد. ويسارع المسؤولون الى وصف المتظاهرين بالدمى واتهامهم بأنهم فلول القذافي. والمجلس الوطني الانتقالي يسعى في التربع محل الحكومة السابقة. وهو وضع خطة اصلاح فضفاضة مدتها 20 شهراً، ترمي الى صوغ دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية. لكن الميليشيا في مصراتة أطاحت مقررات المجلس هذا، ونظمت انتخابات خاصة بها قبل اشهر من موعد الانتخابات الرسمية. أما عجلة المحاكم فمتوقفة، وحين يُعتقل مسلحون، يقتحم زملاؤهم السجن ويطلقون سراحهم. ويسعى المجلس الوطني الانتقالي الى استمالة الشباب المسلح والعاطل من العمل، من طريق دفع نحو 1600 دولار لكل منهم في مقابل الانسحاب من الشارع. * مراسل، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 1/4/2012، اعداد منال نحاس