يصعب المرور أمام الأقسام المخصّصة لبيع الألعاب الإلكترونية في كثير من المتاجر الكبرى في دول الخليج العربي، من دون أن تلمح طفلاً يجادل والده أو والدته في ما يريد شراءه من أجهزة الألعاب الإلكترونية. وغالباً ما يظهر فارق بين طرفي النقاش. وببساطة، ما يجذب الأهل ويفضلونه لأسباب يرونها موضوعية، لا يحبذه صغارهم الذين ينظرون الى الأمور من منظار مغاير تماماً. وعلى رغم وجود عدد من منصات الألعاب التفاعلية المتطورة، التي يفضلها الأهل لما تقوم عليه من حركة وتفاعل جسدي، فإن بعض الأطفال ينجذبون إلى أجهزة الألعاب الرقمية من النوع الذي يُلعَب على الشاشة، فلا تكلّفهم عناء الحركة، ولا بذل مجهود جسدي. ألعاب في كل الأوقات صادفت السيدة رنا حامد هذه الإشكالية، وأكّدت أن ابنتها رينا (7 سنوات) «لا تستغني عن جهاز «دي أس نينتندو» Nintendo DS وتحمله معها في كل وقت ومكان، بل ذهبت به حتى إلى المدرسة»! وعندما حاولت الأم جذب ابنتها إلى منصة ألعاب «وي» WII، حاق الفشل بمساعيها: «لم أنجح أبداً... إنها مُصِرّة على اللعب بجهازها الصغير، ولا تعبأ بالمخاطر الكثيرة التي تتعرض لها، بسبب إدمانها عليه». الإدمان الذي تصف به الأم حالة ابنتها، هو الذي يخيف الكبار عامة. إذ تؤرق هؤلاء فكرة أن يقضي أولادهم معظم الوقت مسمّرين أمام الشاشات الإلكترونية الصغيرة التي تبث إشعاعات مختلفة، ربما يؤذي بعضها عيون الأطفال، إضافة إلى أنها تساهم في إصابة الصغار بالأرق، كما تشغل مساحة واسعة من تفكيرهم. وتجنّباً لكل الأضرار المحتملة من استخدام أجهزة الألعاب المحمولة، سعى رضا علي إلى شغل جزء من وقت فراغ ابنته بألعاب جهاز «إكس بوكس». وفضّل «إكس بوكس» لأنه قد يدفعها الى الحركة بدل الجلوس أمام الشاشة، بل أنه قد يجعلها منهمكة بالحركة ونشطة طوال الوقت، وهو ما لا يحدث في الجلسات الطويلة غير الصحية أمام ال «دي إس» DS. لكن الطفلة التي لم تتجاوز سنواتها الثماني، تمضي الوقت في اللعب بجهازها الصغير، بحجة أن «اللعب فيه أسهل كما أن الألعاب فيه منوعة ومتعددة»، كما تقول. وتبيّن أم عبد الله أن ولديها أحمد (8 سنوات) وعبد الرحمن (11 سنة) يمضيان أوقات فراغهما كلها في ممارسة الألعاب على جهاز «إكس بوكس». وبمجرد أن تسنح لهما فرصة مغادرة المنزل لأي سبب، فإنهما يتأبطان جهاز «بلاي ستايشن بورتابل» Play Station Portable أو ما يعرف اختصاراً باسم «بي أس بي». «يقضيان الوقت في السيارة وفي المجمّع التجاري وعند الأهل والأقارب، باللهو بهذا الجهاز، اللهم إلا إذا كنا لدى من لديه جهاز حركي تفاعلي. عندها، يجدون بعض السلوى في المشاركة معه. لكنه أمر لا يطول، فسرعان ما يعودان الى اللعب بالجهاز الذي يسلب عقولهم»، تقول أم عبد الله. ويبرع الطفل عبد الرحمن بشرح وافر عن مزايا جهاز «إكس بوكس كينِكت»Xbox Kinect الذي حصل عليه فور إطلاقه في المحلات في قطر. وعقد مقارنة بين «إكس بوكس كينِكت» وجهاز «بي إس بي» PSP: «ما يجعل هذا الجهاز مميزاً هو أنه لا يحتاج لجهاز للتحكّم فيه عن بُعد. يمكننا اللعب به بمجرد أن نحرك أجسامنا أمام الشاشة. هذا أمر جميل، لكن ليس في كل الأوقات. أحياناً أكون مرهقاً وأفضل ال «بيس بي» الذي يمكن حمله حتى إلى السرير». يذكر أن ألعاب «إكس بوكس» تعتمد على محاكاة أجساد اللاعبين بأسلوب متطور، فتعمل بتقنيات تتبع حركة اللاعب وتنقلها إلى اللعبة، ليبدو كأنه يتحرك داخل الشاشة. في المقابل، يعتقد أحمد، وهو شقيق عبد الرحمن، أن ال»إكس بوكس» يثير حماسة اللاعبين، خصوصاً أنه يتيح مشاركة أكثر من لاعب في اللعبة نفسها، ما يجعل المنافسة أقوى». لكن أحمد يفضل ال «بي أس بي» لأنه أحياناً يفضل البقاء وحده ليمارس ألعابه المفضلة. الرقص مع الإلكترونات تفضل سيرين (9 سنوات) اللعب بمنصة «وي» التي تراها غنيّة ومتنوّعة. ولم تتردّد في إبداء انزعاجها من عدم تلبية الأهل رغباتها بالإكثار من شراء أشرطة مخصّصة لهذه المنصّة، بحجة ارتفاع أسعارها. وتعتبر سيرين أن أجمل الألعاب تلك التي تمارس فيها الرياضة والرقص، إذ تشعر كأنها تلعب في الهواء الطلق، لكن داخل جدران المنزل. وعلى رغم أن والدة سيرين تشجعها باستمرار على ممارسة الألعاب الرياضية، تميل الطفلة أحياناً نحو الألعاب التي تتطلب حركة أقل. «أنا أتفهمها. إذ قد يتعب الطفل ويحتاج للراحة»، تقول والدة سيرين التي أكثر ما يقلقها أن «أجهزة الألعاب اقتحمت غرف نوم الأطفال. لم يعد الكومبيوتر هاجسنا الوحيد، بل بات علينا تشديد الرقابة على أطفالنا لضمان عدم تلهيهم بالألعاب الإلكترونية». في هذا الصدد، يوضح جون، وهو مسؤول مبيعات في متجر كبير للإلكترونيات في الدوحة، أن حجم الطلب على ألعاب الحركة التفاعلية ارتفع في الآونة الأخيرة، معتبراً هذا الأمر جزءاً من ظاهرة عالمية. ويلفت إلى أن جهاز «وي» حقّق مبيعات مرتفعة جداً بمجرد إطلاقه في السوق، معتبراً أن تقنيات الحركة التفاعلية في الألعاب الأطفال هي أسلوب ناجح لاجتذاب الزبائن، كما تبدى في رواج باقة ألعاب «وي سبورتس» wii sports، وكذلك جهاز «أكس بوكس كينِكت». لكن جون يلاحظ أيضاً أن «الأهل هم من يحاولون إقناع أبنائهم بشراء أجهزة الألعاب ذات الحركة التفاعلية». ويوضح جون أن أكثر منصات الألعاب مبيعاً هي «إكس بوكس 360» و «بلاي ستيشن 3» PS3، و «نينتندو وي». وفي ما يتعلق بالألعاب، يشير إلى أن الشركات تطرح ألعاباً تناسب أذواقاً وأعماراً مختلفة: «هناك الألعاب الرياضية، مثل كرة القدم وسباق السيارات، والألعاب الفنية مثل الرقص والموسيقى، إضافة إلى ألعاب التنافس المختلفة. في بعض الأحيان، يختار الكبار الألعاب التي تناسبهم ليمارسوها أيضاً، إذ لا يقتصر هذا الأمر على الأبناء وحدهم». إذاً، يسعى الأهل إلى حثّ أطفالهم على الحركة والرياضة. وربما رجع هذا إلى عدم قدرتهم الشخصية على ممارسة الرياضة والحركة، فيحاولون إسقاط هذا الأمر على صغارهم على أمل أن يتحرك هذا الجيل فلا تصيبه حالة الخمول والكسل التي أصابت جيل الآباء والأمهات.