لا شك في أن الخاسر الرئيس نتيجة الأزمة الكردية – العربية في سورية، غير المعقولة واللامنطقية، هو الشعب السوري وثورته الديموقراطية من أجل التغيير والخلاص من النظام الاستبدادي والتعسفي لبشار الأسد وحزب البعث الفاشي. وذلك ممثلاً بانقسام وتبعثر القوي الثورية والديموقراطية في عملية إسقاط النظام وعدم تمكنها من توحيد وتعبئة القوي الجماهيرية فيشكل فعال في هذه الظروف العصيبة لمقارعة النظام الديكتاتوري ومناوراته الإقليمية والدولية لكسب الوقت والتخلص من المصير المشؤوم والحتمي لإزالته وهدمه. والخاسرون الآخرون هم المجلس الوطني السوري من خلال انسحاب المجلس الوطني الكردي من اجتماعات المعارضة في اسطنبول في 27 آذار (مارس) والتي كانت تهدف أساساً إلي توحيد صفوفها وليس تهميشها، ومن ثم عدم دعوتهم إلي مؤتمر أصدقاء سورية في اسطنبول في بداية نيسان (أبريل)، وذلك لأن المعارضة الكردية تشكل عنصراً مهماً وفعالاً في صفوف المعارضة السورية. والحق أن مطالب الأكراد كانت محدودة وذلك بإدخال بند آخر في وثيقة المؤتمر تنص علي: «الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وهويته القومية، وإلغاء السياسات كافة الشوفينية المطبقة بحقه وإزالة آثارها وتداعياتها والتعويض للمتضررين وإيجاد حل ديموقراطي للقضية الكردية وفق مبدأ حق تقرير المصير أو وفق المواثيق والأعراف ضمن سورية موحدة». وكذلك فبانسحابه يخسر المجلس الوطني الكردي البعد الجماهيري والاستراتيجي للقوي العربية المناهضة للنظام ويعزل نفسه عن إمكانية التأثير في القرارات المصيرية حول مستقبل سورية، مهما كانت الأسباب والذرائع الحقوقية والمحقة في هذه الخطوة الاحتجاجية الضرورية. والآن وبعد أن أعلن المجلس الوطني السوري وثيقته الوطنية حول القضية الكردية واعتبر أن «هذه الوثيقة تطبيق لوثيقة العهد الوطني بين أطياف المعارضة وجزء لا يتجزأ منها»، يجب العودة إلي طريق الحوار البناء والتفاوض من أجل بناء سورية الجديدة والديموقراطية. وهناك بعض الحقائق البديهية التي تستوجب الاستيعاب من قوي المعارضة السورية بكردها وعربها علي حد سواء، وهي: أولاً: المستفيد الوحيد من حالة عدم توحيد فصائل المعارضة الثورية والديموقراطية وعدم اعتماد رؤية واضحة حول مستقبل سورية الجديدة، هو النظام الاستبدادي لبشار الأسد وحزب البعث. ثانياً: ليس بمقدور القوي العربية أو الكردية المناهضة للنظام، تغييره أو إسقاطه من دون الأخرى، ولكنها تحتاج إلي التفاهم والتعاون وتوحيد جهودها مع ممثلي أطياف المجتمع السوري من الدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين للإتيان بالتغيير المنشود ولانتصار الثورة الديموقراطية. ثالثاً: ضرورة استيعاب البعد الاستراتيجي والقومي والدولي للقضية الكردية في سورية من قبل القوي العربية المعارضة وتفهمها والاستفادة منها في تقوية النضال المصيري في تحرير سورية من قبضة الاستبداد. وكذلك يجب علي القوي الكردية المعارضة تفهم واقع قوتها المحدودة في حسم القضايا المصيرية في سورية من دون الدعم أو الاستفادة من قبل القوي المعارضة العربية في هذا النضال. رابعاً: ضرورة عدم انجذاب قوي المعارضة العربية نحو محاولة تقليص وتهميش مطالب وحقوق الشعب الكردي السياسية والثقافية والديموقراطية المشروعة في سورية المستقبلية، بل الاعتراف بها في شكل واضح وملموس في برامجها ووثائقها المعلنة. وكذلك يجب علي المعارضة الكردية أن تتجنب تبني وتقديم مطالب سقفية وغير منطقية عملياً يصعب تطبيقها، مثل الفيديرالية وحق تقرير المصير من دون تعيين مضمونها بالحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية اللامركزية، نتيجة الواقع الجغرافي للمناطق الكردية في سورية. لذا، يجب تجاوز الأزمة الحالية والعودة إلي التحاور والتفاوض في جو بناء لتوحيد وتقوية صفوف المعارضة وجهودها لتأمين انتصار الثورة الديموقراطية في سورية وإسقاط النظام الاستبدادي والفاشي. * ناشط وأكاديمي كردي من سورية