كان من الأسباب الرئيسة للاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط شعور المواطنين بالسخط والإحباط إزاء عدم توافر الوظائف ونقص فرص العمل. وفي مقدور كثير من بلدان المنطقة أن تُحقق، من خلال الإصلاحات، معدلات نمو أكثر ارتفاعاً وإيجاد فُرصٍ عمل. ولكن ذلك لن يحدث من دون زيادة الاستثمارات الخاصة بمعدلات أسرع. واستطاعت مناطق أخرى مثل آسيا وأميركا اللاتينية جذب استثمارات أجنبية مباشرة بنسب أعلى مقارنة مع إجمالي ناتجها المحلي. وأدت تلك الاستثمارات إلى تعزيز النمو ونقل التكنولوجيا وإيجاد فرص عمل. لكن الأمر لم يكن على ذلك النحو في منطقة الشرق الأوسط التي حصلت على أقل من ستة في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المستوى العالمي، بل وحصلت الصناعات التحويلية التي توجد فرص عمل على نحو خُمس تلك الاستثمارات. وفي ظل الاضطرابات والقلاقل المدنية التي اندلعت في العام الماضي، شهدت إمكانات جذب الاستثمار للمنطقة انتكاسة أخرى. فالمستثمرون الذين يعتبرون الاستقرار أمراً مُسلّماً به، فوجئوا بالعنف السياسي على حين غرّة فأعادوا النظر في خططهم الاستثمارية. وطبقاً للمسح الاستقصائي للمستثمرين الذي أجرته الوكالة الدولية لضمان الاستثمار أخيراً، علّق رُبع المستثمرين مشاريعهم، فيما أعاد الآخرون النظر باستثمارات قائمة أو ألغوها أو جمّدوها. واعتمد كثيرٌ من بلدان الشرق الأوسط تقليدياً على الاستثمارات الوافدة من أوروبا، التي تبذل حالياً جهوداً مضنية في مواجهة تحديات أوضاعها المالية، ما أدى إلى انخفاض كبير في القروض والاستثمارات المقدمة من المصارف الأوروبية إلى البلدان النامية، خصوصاً في الشرق الأوسط. والوقت الحالي مهم للمنظمات المتعددة الأطراف مثل الوكالة الدولية لضمان الاستثمار. إذ يمكن الآن، أكثر من أي وقت مضى، الاستفادة من التأمين الذي تُتيحه الوكالة ضد الأخطار السياسية في تشجيع عودة المستثمرين التقليديين ودخول لاعبين جدد إلى المنطقة التي هي في أمسّ الحاجة إليهم. ولتوضيح التزامنا بمساندة المنطقة، جمعنا بليون دولار خصصناها لمساندة القدرات التأمينية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشجيعاً للاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة. وبدأت الوكالة في تنفيذ خطة مرنة في شأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الحالية والمرتقبة في المنطقة لضمان الحفاظ على قدرات سوق التأمين ضد الأخطار السياسية وتعزيز جهود الوكالات الوطنية لائتمان الصادرات. فبعد الأزمة في تونس مُباشرة، مثلاً، استطعنا دعم إنشاء عبّارة لنقل الركاب والسيارات من خلال تغطية التأخر في تسديد الالتزامات السيادية بما مقداره 200 مليون دولار أميركي، ما يُعطي إشارة قوية للأسواق. يتمثل دورنا في تشجيع إيجاد فرص العمل في الشرق الأوسط والمساعدة أيضاً في استعادة البنية التحتية والخدمات الأساسية. فقُمنا، مثلاً، بمساندة مستثمرين من القطاع الخاص في محطة لمعالجة المياه العادمة في الأردن لتأمين مياه الشرب للسكان في المناطق المجاورة. وبمساندة إضافية من الصناديق الاستئمانية، سهّلنا الاستثمارات في الضفة الغربية وقطاع غزة في قطاعات الصناعات الزراعية والتحويلية، وسيؤدي تطوير مزرعتين للتمور هناك، مثلاً، إلى تنشيط قطاع الزراعة في الضفة الغربية وتأمين فرص عمل وإيرادات بالنقد الأجنبي. ومن شأن توسيع نشاطات شركة لإنتاج المشروبات إيجاد فرص عمل جديدة والمساهمة في تنويع النشاط الاقتصادي. وساندت الوكالة معاملات التمويل الإسلامي وزيادة توسيع نطاق الخيارات التي يمكن أن تقدمها لتخفيف الأخطار. فعلنا ذلك من خلال تقديم ضمانات لمحطة للحاويات في جيبوتي التي يمكن أن تساعد جيبوتي في أن تكون بوابة لشرق أفريقيا وجنوبها مع تعزيز التكامل الإقليمي من خلال تنمية التجارة. ويتمثل دورنا أيضاً في مساندة المستثمرين الإقليميين الباحثين عن فرص خارج حدود بلادهم. ونرى عدداً متزايداً من الأطراف الفاعلة من الشرق الأوسط، من المصارف إلى الشركات الخاصة وصناديق إدارة الملكية الخاصة، التي تتطلع إلى استثمارات محتملة في أسواق جديدة، خصوصاً في أفريقيا حيث تتوافر فرص كثيرة، خصوصاً في مجالات الطاقة والتعدين والإنشاءات والاتصالات. إن مُهمتنا هي مواجهة الأخطار، وكان أكثر من نصف الاستثمارات المضمونة من قبل الوكالة في العام الماضي في البلدان الأشد فقراً، بما في ذلك البلدان الهشة والخارجة لتوها من الصراعات. ولا تقتصر مشاركتنا في أي عملية على تعويض المستثمر في حالة نزع الملكية أو المصادرة التدريجية أو الحروب والاضطرابات المدنية أو انتهاك شروط العقد فحسب، بل تؤدي مشاركتنا أيضاً إلى الحد من احتمالات طلب التعويض أثناء فترة حياة المشروع، حيث يمكنُنا الاستفادة من وضعنا في مجموعة البنك الدولي في التعاون في صورة مباشرة مع الحكومات لنزع فتيل المواقف حال نشوئها وقبل أن تُلحق الضرر بالمشروع. هذه هي اللحظة الحرجة أمام الشرق الأوسط إذ تتمثل الأولوية في إيجاد فرص عمل للشباب وإنعاش النمو. ومَهمتنا الآن هي المساعدة في إعادة المستثمرين إلى المنطقة، حيث تشتد الحاجة إليهم، وأن نكون مثالاً قوياً يحتذي به الآخرون. * نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الوكالة الدولية لضمان الاستثمار، ذراع مجموعة البنك الدولي المعنية بالتأمين ضد الأخطار السياسية.