يُرجح ألا يسعف الوضع الصحي الهش للرئيس التركي السابق كنعان إفرين، في مثوله اليوم أمام محكمة أنقرة، وأن يشفي بذلك غليل يساريين وإسلاميين تضرّروا من الانقلاب العسكري الذي نفّذه العام 1980، حين كان رئيساً للأركان. ويبدو أن على من ينتظر هذا المشهد منذ عقود، أن ينتظر وقتاً إضافياً، بعدما كسر إفرين ذراعه، قبل يوم من بدء محاكمته بتهمة قلب نظام الحكم بالقوة، مع رفيق دربه الجنرال تحسين شاهين قايا الذي ساعده في تنفيذ انقلاب 12 أيلول (سبتمبر) 1980، الأكثر دموية في تاريخ تركيا الحديث، والذي أسفر عن إعدام عشرات من المعتقلين ووفاة آخرين بسبب التعذيب، إضافة إلى مئات من المفقودين وتوقيف مئات الآلاف ومحاكمة كثر، وفرار عشرات الآلاف من تركيا. ونقل موقع شبكة «أن تي في» التركية عن محامي إفرين، أن الوضع الصحي للأخير لا يسمح له بحضور جلسات محاكمته التي قد تنتهي الى حكم بسجنه وشاهين قايا مدى الحياة، لارتكابهما «جرائم ضد الدولة». وكان إفرين قال قبل توجيه التهمة إليه السنة الماضية: «أفضّل الانتحار على محاكمتي». وقدّم إفرين (94 عاما) وشاهين قايا (86 عاما) أكثر من تقرير طبي عن وضعهما الصحي الذي اعتبر أطباء أنه لا يسمح بمثولهما أمام المحكمة التي تستعد لاستجوابهما عبر اتصال مرئي مباشر، وهما على سرير المرض، ما اعتبره محامون وقضاة مبالغة في التشدد، تخدم فقط أهدافاً سياسية لحكومة «حزب العدالة والتنمية» التي تقدّم نفسها بوصفها السلطة التي تنتقم للشعب من انقلابيين عسكريين فرضوا وصايتهم منذ العام 1960، سواء بالانقلاب العسكري المباشر أو بالضغط على ساسة. وكانت حكومة رجب طيب أردوغان عرضت على استفتاء شعبي العام 2010، تعديلات دستورية يسمح بعض موادها بمحاكمة انقلابيي العام 1980 الذين كانوا يتمتعون بحصانة فرضوها على الدستور الذي وضعه إفرين ورفاقه العام 1982. لكن المعارضة اليسارية والقومية تعتبر أن حكومة أردوغان تسعى، من خلال محاكمة إفرين، الى استعراض شعبي «رخيص»، وانتقام شخصي من إفرين الذي يمثّل حقبة وصاية العسكر التي حجّمت دور الإسلاميين في تركيا، خلال العقود الثلاثة الماضية. وترى المعارضة أن المحاكمة الحقيقية للانقلابيين وإفرين، تكمن في إلغاء ما سنّه من قوانين وتشريعات تفرض الوصاية على الشعب ومؤسسات الدولة، التي يستفيد منها أردوغان الآن، لفرض نفوذه على الجميع. وتشير المعارضة الى مؤسسة التعليم العالي التي كان إفرين يسيطر من خلالها على الجامعات، ويطالب كثيرون في تركيا بإلغائها، لكن أردوغان يرفض، ويعيّن مقرّبين منه لإدارة المؤسسة، من أجل تغيير رؤساء الجامعات وأساتذتها، وتعيين إسلاميين مقربين منه. كما يصرّ أردوغان على إبقاء النسبة التي فرضها إفرين (10 في المئة)، لتخوّل أي حزب دخول البرلمان، وذلك من أجل إقصاء الأحزاب الكردية منه، إذ يستفيد منها رئيس الوزراء في زيادة عدد مقاعد حزبه، على حساب الأحزاب الصغيرة التي تبقى خارج التمثيل البرلماني. وتعدّد المعارضة أمثلة أخرى كثيرة، متسائلة عن جدوى محاكمة عجوز على حافة قبره، فيما أردوغان هو بين أكثر من استفاد من التشريعات التي سنّها أشهر الانقلابيين في تاريخ تركيا، كما يقول رئيس «حزب الشعب الجمهوري» الأتاتوركي المعارض كمال كيليجدار أوغلو وكتّاب يساريون.