الحجاب والرياضيات، مسألة بين التدبير والتيسير تشغل أوساطاً عدة، لا سيما في ظل مرونة ملحوظة عند البعض ومقاومة مستشرية عند البعض الآخر «تحرّم» مزاولة الرياضة، علماً أن «فتاوى» المنع تبقى شخصية أو فردية. وينادي مشجعو المرأة المحجبة بمزاولة الرياضات وانخراط الشابات في المنافسات، مؤكدين أن الحجاب يعطي صورة جميلة عن الإسلام وأنه دين يتماشى مع أساليب الحياة المختلفة، على عكس الصورة المنقولة عنه أحياناً، خصوصاً أن الرياضة جانب اجتماعي مهم، ويمكن أن تتكيف المرأة المحجبة مع الألعاب عموماً على الصعيدين التنافسي أو الترويح عن النفس واكتساب الصحة والحفاظ على الرشاقة. لكن الوقائع الميدانية تؤكد أن المسألة باتت تحدياً اجتماعياً وتجاوزها مسألة وقت، وللمسؤولة عن النشاطات دور مهم في التوعية والتشجيع في أوساط الأسر والإقناع بالحجة والبراهين أنها لا تتنافى وتعاليم الدين الحنيف. ولعلّ في مستجدات بدأت تتبلور في السنوات الأخيرة مؤشرات الى نظرة مختلفة ايجابية إلى هذا الموضوع الحساس. فهناك اتحادات رياضية دولية عدة ألغت الحظر على ارتداء الحجاب، ما يسهّل مشاركة لاعبات كثيرات ويفتح أمامهن باب التقدّم والتطور وحصد الإنجازات العالمية في مسيرتهن الرياضية. وانضمت الأممالمتحدة إلى الحملة الداعية الى رفع الحظر عن الحجاب في كرة القدم، وبعث ويلفريد ليمكه المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدعم الرياضة من أجل التطور والسلام، برسالة إلى جوزف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي (فيفا)، أعرب فيها عن الدعم لحقوق ارتداء اللاعبات غطاء رأس آمناً ينفصل عند جذبه، آملاً في أن «يتم حل المسألة بطريقة تحمل مقداراً من الاحترام لقوانين اللعبة إلى جانب الاعتبارات الثقافية، مع السماح لكل السيدات بمزاولة كرة القدم من دون تمييز»، ومن منطلق أن «كل لاعبة مهما كان مستواها أو فئتها العمرية، تمتلك الحرية لتقرر ما إذا كانت لديها الرغبة أو لا في ارتداء تلك القطعة من الملابس أثناء وجودها في الملعب». وزاد: «هذا سيعطي فرصة للرياضيات المميزات للتأكيد أن ارتداء غطاء الرأس ليس عقبة في طريق التألق في الحياة والرياضة، كما أنه سيساهم في التصدي للصور النمطية الخاصة بالنوع، وسيحدث كذلك تغييراً في طرق التفكير». وقبل أن «يشرّع» الفيفا الحجاب، الذي كان حظره عام 2007 لأسباب تتعلق بالسلامة، سمحت اتحادات مثل الركبي والتايكوندو للاعبات المسلمات بارتداء غطاء للرأس أثناء المنافسات. وفي وقت دعم زهانغ جيلونغ القائم باعمال رئيس الاتحاد الآسيوي قرار رفع الحظر عن الحجاب، طرح الأمير الأردني علي بن الحسين نائب رئيس الفيفا، على الاتحاد الدولي، تصميماً هولندياً جديداً للحجاب يغطي العنق، ويتحرر في حال شدّ غطاء الرأس لضمان سلامة اللاعبة. كما سبق أن سمح الاتحاد الآسيوي للكاراتيه للرياضيات بارتداء الحجاب أثناء الدورات القارية، موضحاً أن لدى آسيا بطلات من الإمارات (الشيخة ميثاء بنت محمد بن راشد) وإيران وباكستان وكازاخستان، وسيعزز القرار فرصهن في المنافسة. وقبل أيام صادقت لجنة الكرة الطائرة الشاطئية في الاتحاد الدولي للكرة الطائرة خلال اجتماعها في لوزان، على إضافة خيارات جديدة للاعبات تتعلق بالزي الموحد، مع مراعاة التقاليد والأعراف. ومع تزايد المشاركة النسائية في الرياضة بمنطقة الشرق الأوسط، والذي ظهر جلياً في الدورة الرياضية العربية التي استضافتها قطر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وإعلان إطلاق دوري كروي نسائي الشهر المقبل في الإمارات، وتشكيل فرق سعودية عدة منها «جدة يونايتد» لكرة السلة الذي خاض سلسلة مباريات في الأردن وماليزيا، تستضيف أبو ظبي في 10 و11 نيسان (أبريل) المؤتمر العالمي لرياضة المرأة تحت شعار «الرياضة... صحة وسعادة» للمرة الأولى في المنطقة، وبمشاركة شخصيات قيادية للرياضية النسائية العالمية والعربية والخليجية، ويتضمن أربع جلسات عمل تناقش محاور تتناول الرياضة النسائية وبناء شخصية المرأة الرائدة، والرياضة والإعلام، كما تستعرض نماذج لأكاديميات الرياضة النسائية والتحديات والفرص المتاحة. ويتوافق المؤتمر مع خطط مجلس أبوظبي الرياضي الذي كرّس اهتمامه منذ تأسيسه لدعم الرياضات النسائية وتعزيز مقومات نجاحها من خلال النشاطات الرياضية في المسابقات المدرسية وتنظيم بطولات ومهرجانات رياضية للفتيات والسيدات، كما كان له الدور البارز في الإشراف والتنظيم على أكبر دورة رياضية خليجية للمرأة احتضنتها أبوظبي العام الماضي، ونجحت من خلالها منتخبات الإمارات النسوية بالفوز بتسعة ألقاب. ووفقاً لبحث أجري أخيراً في جامعة نورثويسترن في قطر، سلَّط اختصاصي علم الاجتماع جيف هاركنس وتلميذته سميرة إسلام (الطالبة في جامعة كارنيجي ميلون- الدوحة، وهي لاعبة كرة سلة) الضوء على الثورة الناعمة التي كثيراً ما يتم إغفالها، والتي تنادي منذ زمن بأهمية مشاركة المرأة في النشاطات الرياضية بالمنطقة، وذلك من خلال بحثهما الأولي «الرياضيات المسلمات والحجاب». ويشير التقرير إلى أن الرياضيات في الشرق الأوسط يواجهن ضغوطاً من جانب العائلة والدين والسياسة والثقافة، وتتمحور هذه الإشكاليات غالباً حول مسألة ارتداء الحجاب أو خلعه. ولفت هاركنس إلى «مفاهيم خاطئة عن سكان الشرق الأوسط، ولا سيما النساء. وتكمن إحدى فوائد هذا النوع من البحوث الاجتماعية في المساعدة على الحدّ من انتشار صور نمطية، ورسم أخرى أكثر دقة لما تبدو عليه الأمور هنا بالفعل». ويقول هاركنس إن الرياضة غالباً ما تمثل تجربة لتمكين الشابات في المنطقة، ويستشهد في ذلك بنجمات الرياضة الإقليميات اللاتي يشكلن مصدر إلهام للشابات، مثل لاعبة التنس العُمانية فاطمة النبهاني التي لا ترتدي اللباس الإسلامي التقليدي خلال المباريات، والعدّاءة البحرينية رقية الغسرة، التي كانت مغطاة تماماً وترتدي الحجاب عندما بلغت نصف نهائي سباق ال200م في دورة بكين الأولمبية عام 2008. ويعتبر التقرير أن البطلتين ليستا مجرد قدوة للرياضيات الطامحات في المنطقة، بل تساهمان أيضاً في هدم التصورات النمطية الغربية. ويمثل تألق الغسرة المحجبة في أولمبياد بكين وقبلها في بطولة العالم لألعاب القوى في أوساكا عام 2007، فضلاً عن حصدها ألقاباً قارية وعربية عدة، صورة مشرقة للمرأة الرياضية المسلمة «الملتزمة» على غرار غيرها من البطلات، ومنهن لاعبة التايكواندو الإيرانية خديجة آزادبور التي اعتلت منصة التتويج في دورة الألعاب الآسيوية في هوانغزو عام 2010 حاصدة الميدالية الذهبية.