تعني القوة المتنامية لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) المتشدد أن جيش النظام السوري عليه الآن أن يواجه جماعة لم يكن مستعداً حتى الآن لمهاجمتها لأسباب سياسية. فصعود التنظيم الذي كان يعرف باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، سمح للرئيس السوري بشار الأسد بأن يقدم نفسه للعالم باعتباره حصناً في مواجهة المتشددين السنّة. وفي الوقت ذاته ساعد ميل التنظيم لمحاربة مقاتلي المعارضة الأكثر اعتدالاً على تقسيم المعارضة السورية ما سهل على قوات الأسد استعادة السيطرة على أراض خسرتها في فترات سابقة من الحرب الأهلية السورية. ونتيجة لذلك يرى بعض المحللين أن قادة الجيش النظامي تبنوا استراتيجية قائمة على محورين فقد سعوا من ناحية لتقليص خطر التنظيم على النظام مع ضمان أن يبقى قوياً بما يكفي ليواصل قتاله مع الجماعات المعارضة الأخرى. والآن، وقد اكتسب مقاتلو التنظيم زخماً في سورية بسبب المعدات التي استولوا عليها من هجوم خاطف في العراق فقد يحتاج الجيش النظامي لأن يتبنى أسلوباً صدامياً أكثر مع «داعش» إذا كان لا يريد أن يخسر أرضاً لمصلحته. وأعلن التنظيم الشهر الماضي قيام «الخلافة الإسلامية» على أراض يسيطر عليها في العراق وسورية وتعهد بالتوسع. وحقق تقدماً في سورية بانتزاع أراضٍ من مقاتلي المعارضة الأكثر اعتدالاً، لكن معدل اشتباكه مع الجيش النظامي زاد الآن ورد الجيش بتصعيد القصف الجوي لمواقعه. وقال ديبلوماسي سوري سابق طلب عدم نشر اسمه إن الحكومة السورية لم يساورها قلق شديد في شأن التنظيم على المدى القصير، «لكن على المدى البعيد الموضوع يبعث على القلق الشديد لأنه سيزيد من صعوبة الأمر إذا رسخ التنظيم وضعه في شكل شبه دائم، لا سيما في ظل سيطرته على موارد مثل النفط». وأضاف: «هناك تضارب مصالح هنا بين ما هو عملي وقصير المدى وبين اعتبارات طويلة المدى». وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ومقره بريطانيا أن التنظيم قتل خلال الأسبوع الماضي 270 من الجنود والحراس والموظفين عندما استولى على حقل غاز في وسط سورية في أعنف اشتباك حتى الآن بين التنظيم وقوات الحكومة. وذكرت صحيفة «الوطن» المقربة من النظام نقلاً عن مصادر أن 60 من أفراد قوات الأمن قتلوا. كما خاض جنود سوريون معارك مع مقاتلي «داعش» خارج مطار عسكري خاضع لسلطة الحكومة في شرق البلاد يوم الجمعة الماضي في إطار تصعيد كبير في أعمال القتال بين الجانبين. والمطار هو واحد من آخر المواقع الاستراتيجية الكبيرة في محافظة دير الزور التي لا تخضع لسيطرة التنظيم وسقوطه يعني حرمان الجيش النظامي من منصة إطلاق الغارات الجوية على شرق البلاد. ويقول مراقبون إنه لو أرادت قوات الأسد أن تستعيد السيطرة على أراضٍ في شمال البلاد وشرقها، عليها مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية». ويتألف التنظيم من بضعة آلاف مقاتل من جنسيات مختلفة ويفتقر إلى قوة النيران التي يملكها الجيش النظامي. لكنه لا يزال من بين أقوى الجماعات المسلحة، على رغم أنه لم يكن له وجود يذكر في سورية قبل عامين. ولجأ مقاتلوه أيضاً إلى أساليب غير عسكرية لتحقيق مكاسب مثل تشجيع تحالفات خاصة واستغلال المظالم المحلية إلى جانب شراء مقاتلي جماعات المعارضة الأخرى.ويقول نشطاء معارضون للأسد ومسؤولون غربيون إن نظام الأسد سمح لمقاتلي «الدولة الإسلامية» بالصعود بينما كان يهاجم جماعات معارضة أقل تشدداً. ويقول ديبلوماسيون إن الأسد استغل صعود التنظيم ليدعم حجته بأن سورية تواجه خطر التشدد الإسلامي. وقال ديبلوماسي غربي: «الحكومة تريد (الدولة الإسلامية) قوية بما يكفي لأغراضها الدعائية بالتالي فهي مترددة في مهاجمتها»، مضيفاً أن أي هجمات حكومية كانت تنفذ لأن الأسد كان في حاجة لأن ينظر إليه على أنه يتحرك ضد التنظيم. ويقول مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن إنه على رغم أن قوات الحكومة تفادت مهاجمة قوافل التنظيم ومواجهته على الأرض ما لم يكن ذلك ضرورياً فهذا لا يعني أنها تجاهلته كعدو. ويضف أنه منذ العاشر من حزيران (يونيو) الماضي وحتى الآن تنفذ قوات الأسد يومياً ضربات جوية على مناطق تحت سيطرة «داعش». وأشار إلى أنه قبل ذلك كانت الضربات الجوية تحدث كل أربعة أو خمسة أيام. وأردف أنه إذا زادت قوة التنظيم سيشكل خطراً على النظام السوري أما إذا كان أضعف قليلاً ويقتتل مع الجماعات المعارضة الأخرى فسيستفيد النظام السوري من ذلك لأنه سيستريح، ثم سيسيطر على المنطقة. وقال عبدالرحمن إن بؤر التوتر المحتملة بين الجيش و «الدولة الإسلامية» تشمل محافظة دير الزور ومناطق حول مدينة الرقة في وسط سورية وحلب في شمال غربي البلاد والمناطق الشرقية من محافظة حماة. ويقدر «المرصد السوري» الذي يعتمد على شبكة من المصادر على الأرض في سورية أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يسيطر على 35 في المئة من أراضي سورية. ويصر البعض على أن الأسد يرى «الدولة الإسلامية» عدواً صرفاً. ويقول سالم زهران وهو محلل لبناني موالٍ للأسد ويجتمع مع مسؤولين سوريين في شكل منتظم إن دمشق تعتبر التنظيم خطراً مثل كل الجماعات المسلحة الأخرى في سورية. ويضيف أن القيادة السورية لا تفرق بين «الدولة الإسلامية» وباقي الفصائل، مشيراً إلى أن أي فصيل يحمل السلاح يشكل خطراً. وقال جهاد مقدسي وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية السورية غادر البلاد وبات شخصية سياسية مستقلة تدعم عملية جنيف للسلام في سورية، إن دمشق تعتبر التنظيم خطراً على الأرض حتى لو كان ساعدها على تحقيق أهداف سياسية. وأضاف: «بالتأكيد يرونه خطراً على البلاد من منظور أمني وعسكري وهم يقاتلونه بالفعل في أماكن كثيرة وفقاً لأولوية الحكومة». لكنه أوضح أنه من المنظور السياسي فقد حقق التنظيم أهداف الحكومة السورية بتحطيم معنويات المعارضة وشيطنتها.