مضت أكثر من ستة عقود على احتلال إسرائيل الشطر الغربي من القدس، وأكثر من أربعة عقود على احتلال الشطر الشرقي من المدينة. وكان ولا يزال تدمير المقدسات العربية الإسلامية منها والمسيحية وتهويد القدس بشطريها المحتلين وجعلها عاصمة عالمية لجميع اليهود في العالم، الهدف الأساسي لليهودية العالمية وإسرائيل. القدس بالنسبة الى العرب والمسلمين، مدينة عربية إسلامية، وهي بشطريها ومع أكنافها منطقة عربية إسلامية مسيحية مقدسة، ووقف إسلامي وأرض محتلة يمتزج فيها البعدان الروحي والسياسي، وتمتزج فيها أبعاد السيادة الفلسطينية والعربية والإسلامية. وجاءت انتفاضة الأقصى ودماء الشهداء التي تدفقت في الدفاع عن المسجد الأقصى، برهاناً جديداً يقدمه الشعب الفلسطيني للعرب والمسلمين على تمسكه بالمحافظة على قدسية المسجد الأقصى المبارك والدفاع عنه أمام الخطر اليهودي الداهم. وتخطط اليهودية العالمية منذ مدة طويلة لبناء هيكل سليمان المزعوم ولكن المعضلة المستعصية التي تواجهها هي أن مكان الهيكل المزعوم يوجد فيه أقدس مقدسات العرب والمسلمين، وهو المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وفيه أيضاً كنيسة القيامة أهم وأقدم كنيسة في العالم. لقد بدأت المرحلة الأولى من تهويد القدس بعد مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان 1948، حيث أبادت المنظمات اليهودية الإرهابية المسلحة جميع سكان القرية الذين كانوا متواجدين فيها وبلغ عدد ضحايا المجزرة 264 شخصاً، وذلك لأهمية موقعها الإستراتيجي لاحتلال الشطر الغربي من القدس. وتمكنت العصابات الإرهابية بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي من احتلال الشطر الغربي من المدينة في منتصف أيار (مايو) 1948 وطردت 60 ألفاً من سكانها الفلسطينيين ومنعتهم من العودة إلى منازلهم خلافاً لقرارات الأممالمتحدة والمواثيق الدولية وصادرت أراضيهم ومنازلهم والممتلكات العامة والجوامع والكنائس الموجودة في الشطر الغربي المحتل من المدينة. وأعلن دافيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل، العزم على احتلال القدس بأسرها، بما فيها المسجد الأقصى وتدميره، وقال: «لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل». وبدأت الجرافات الإسرائيلية بتغيير معالم القدسالشرقية منذ الساعات الأولى للاحتلال عام 1967، لتهويدها وخلق حقائق الأمرالواقع من خلال تدمير المنازل والأحياء العربية، وبناء الأحياء اليهودية وسلسلة من المستعمرات داخلها وحولها تحيط بها من جميع الجهات، وتحويل سكانها العرب إلى أقلية، وذلك خلافاً لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة. استغلت إسرائيل الزعم الديني للتوراة للتمويه على أطماعها وأهدافها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، نظراً الى الدخل المادي الهائل الذي تجلبه السياحة الدينية من المدينة القديمة المقدسة، وقامت بتوسيع حدود بلدية القدس على حساب الأحياء والقرى العربية المحيطة بالقدسالشرقية وتهويدها، على غرار ما فعلت في القدسالغربية والأراضي الفلسطينية الأخرى التي احتلتها عام 1948، وذلك خلافاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي. لقد حدد مجلس الأمن الدولي الوضع القانوني للقدس الشرقية بأنها منطقة محتلة وضمها غير قانوني ومخالف للقرارات والقوانين والمواثيق الدولية، ويجب الانسحاب منها وإزالة جميع الإجراءات الإدارية والجغرافية والديموغرافية التي اتخذتها إسرائيل، بما فيها ازالة المستعمرات والأحياء اليهودية، لأنها غير شرعية وباطلة. إن استمرار احتلال إسرائيل للقدس لا يستند على الإطلاق الى أساس تاريخي أو قانوني وإنما ينتهك مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فالمسجد الأقصى المبارك في خطر حقيقي، فأين لجنة إنقاذ القدس، وأين القادة العرب، وأين العالم العربي والإسلامي لإنقاذه من التدمير والتهويد. ان الصراع على القدس سيستمر، وستندلع الانتفاضة تلو الانتفاضة مهما طال الزمن وغلا الثمن، إلى أن يتم تحريرها من المحتلين.