لندن - رويترز - عندما قرر رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات رسم الرئيس السوري بشار الأسد وأفراد الدائرة المحيطة به، كان يعلم جيداً أنه سيسبب لنفسه المشاكل. واشتهر فرزات (60 سنة) في الأوساط العربية وفي الخارج بأعماله الساخرة اللاذعة، عن الفساد والمحاباة وضيق الأفق، لكنه كان يتجنب دائماً تشخيص أفراد معينين في رسومه. كان هذا حتى قبل أشهر معدودة من اندلاع الانتفاضة ضد الأسد السنة الماضية، وفي تلك الفترة شعر فرزات بأن الرئيس تجاوز كل الحدود في خنق حرية التعبير والقضاء على المعارضة. وقال فرزات، وهو يقف وسط أعماله في معرض فني في وسط لندن: «في الفترة الأخيرة شخصنت الزعماء وأصحاب القرار وهذا أمر غير متعارف عليه أو غير مقبول بالنسبة إلى الشارع... لكن تجاوب الشارع حمّسني على الاستمرار في إخراج الكاريكاتير من الرمز إلى الواقع، وأصبح المتظاهرون يرفعون الكاريكاتير في الشوارع كأنه أيقونة». وأظهر أحد رسوم فرزات، الأسد الذي ظل الحديث عنه من المحرمات في سورية، وهو ينزع بصعوبة ورقة من روزنامة تشير إلى يوم الخميس، لعلمه أن يوم الجمعة سيشهد موجة أخرى من الاحتجاجات الشعبية في شوارع البلاد. وفي رسم آخر، يحاول الأسد أن يستقل سيارة مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وعندما بدأت الانتفاضة السورية، تلقى فرزات مكالمات ورسائل تهديد، لكن حتى تلك التهديدات لم تعدّه كفاية لضراوة الهجوم الذي تعرض له صباح 25 آب (أغسطس) فيما كان يغادر مرسمه في دمشق. أخرجه، من تطلق عليهم تسمية «الشبيحة» الموالين للأسد، من سيارته وأوسعوه ضرباً بالعصي، قبل إجباره على أن يستقل سيارتهم فيستمر الاعتداء عليه. وقال فرزات، عبر مترجم، إنه كان يسمعهم وهم يقولون: «اكسروا يديه حتى لا يجرؤ مرة أخرى على تحدي أسياده»، وتابع: «ضربوني على رأسي وكانوا يقولون: اكسر يديه لأنه يرسم... حذاء بشار أحسن من راسك... كسروا لي يديّ وجسمي كله رضوض، وأصبت بارتجاج خفيف في الدماغ». ثم ألقي بفرزات على جانب الطريق، ونقله شخص إلى مستشفى، ثم سافر إلى الكويت حيث حصل على «إقامة». يتذكر فرزات اجتماعاً مع الأسد في التسعينات، حين كان والده الرئيس الراحل حافظ الأسد في الحكم، واستمتع آنذاك بالحوار إذ كان الزعيم الجديد يسعى من خلاله إلى معرفة «رأي رجل الشارع». وكان الأسد يزور معارض فرزات، ويناقش معه مواضيع سياسية، ومع زملائه من الفنانين والمفكرين. وبدأ فرزات يصدر جريدة «الدومري» الساخرة. وقال إن فترة قصيرة من الانفتاح، مطلع الألفية الثانية، انتهت فجأة، ما أدى إلى إغلاق صحيفة «الدومري» ودفع مثقفين إلى الهجرة. وأضاف : «لا أعرف ماذا حصل فجأة... كنا على تواصل معهم وفجأة انقطعت العلاقة». ويعتبر فرزات أن «الوقت ليس هو المعيار الحقيقي» لنجاح الثورة، بل «كسر حاجز الخوف... الناس ما عادت ترجع لورا». ولم يتخل رسام الكاريكاتير، الذي قيل إنه تلقى تهديدات بالقتل من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الثمانينات، عن فكرة العودة إلى سورية من منفاه الاختياري. وأضاف أنه كل يوم يقول لنفسه إنه يريد العودة إلى دمشق لكن الناس يطلبون منه عدم العودة لأن الوضع خطير للغاية. وعاد فرزات إلى العمل، بعد الهجوم، لكن حركة يديه ليست طبيعية تماماً. ومن أحدث رسومه زهرة صغيرة ترفع دبابة في الهواء وهي تشق الأرض لتنبت.